18:10 | 23 يوليو 2019

"حياتنا على الملأ... من يملك الزر؟"

11:31am 21/04/25
صورة أرشيفية
أحمد الشبيتي

في زمنٍ لم يعد للخصوصية فيه معنى، باتت حياتنا اليومية تُعرض على الملأ، بالصوت والصورة، بل أحيانًا بالبكاء والأنين. لم نعد نعيش لحظاتنا كما هي، بل أصبحنا نُنتجها ونُخرجها وكأننا في عرضٍ مسرحي دائم على خشبة "مواقع التواصل الاجتماعي"، حيث الجمهور يشاهد، ويصفق، ويهاجم، ويُحلل دون أن يعرف الحقيقة.

من حفلات الأفراح إلى جنازات الأحزان، من افتتاح مشروع صغير إلى نشر أخبار المرضى على أسرتهم، من كلمات جارحة إلى صورٍ فاضحة، أصبحت كل تفاصيل حياتنا مشاعًا، وكأننا نعيش في مسرح مراقب بالكاميرات، بلا حوائط، بلا ستائر، بلا احترامٍ للخصوصية.

الواقع المؤلم أننا نعيش في مجتمعٍ باتت "السوشيال ميديا" فيه هي الحكم، وهي الخصم، وهي منصة الإعدام. فالمواطن أصبح إعلاميًا، والمعلومة تُنشر قبل التحقق، والآراء تُبنى على ظاهر الصورة، لا على جوهر الحدث. فكم من مظلومٍ شُهّر به، وكم من مريضٍ استُغل لحظة ألمه، وكم من فقيرٍ أصبح وسيلة للحصول على مشاهدات لا رحمة فيها ولا إنسانية.

السب والقذف والعُري وانتهاك الخصوصيات أصبحت مشاهد معتادة. يتم تداولها وكأننا في صراع للبقاء، كلٌ يحاول أن يظهر، أن يُثير، أن يُصدم، ولو على حساب القيم، الدين، الأخلاق، وحتى حرمة الموتى.
وهنا يتدخل القانون، لا ليمنع الحرية، بل ليحمي المجتمع من السقوط. فالمواد القانونية التي تجرّم السب والقذف، وانتهاك الخصوصية، ونشر الصور دون إذن، ليست حبرًا على ورق، بل واجب تطبيقها بات فرضًا لحماية ما تبقّى من كرامة الإنسان. لكن القانون وحده لا يكفي، إذا لم نُفعّل ضميرًا، ونعيد بناء وعي، ونُربي أجيالًا تعرف أن الكاميرا ليست كل شيء، وأن الإنسان ليس محتوى.
إن الأخطر من كل ما سبق، أن العقول أصبحت مُستَهدَفة، تُوجَّه، تُبرمج، وتُسَيَّر كما يُراد لها، بفكرٍ غريب عنا، يُقدّس المال، ويُلهث وراء الشهرة، ويُشيّئ الإنسان كسلعة، والجسد كوسيلة، والدين كقيد.
فهل آن الأوان أن نفيق؟ أن نغلق الكاميرا لنفتح عقولنا؟ أن نُمسك الهاتف لا لنسجّل الآخرين، بل لنراجع أنفسنا؟ متى ندرك أن الوطن لا يريد مشاهير، بل مصلحين؟ لا يُريد متفرجين، بل عاملين؟ لا يُريد "بوستات"، بل ضمائر حيّة؟
نحن بحاجة لثورة وعي، نُعيد بها ترتيب الأولويات، ونُغلق النوافذ المفتوحة على أسرّتنا وأفكارنا وعوراتنا، لنعود إلى دينٍ ينهى عن الفُحش، وأخلاقٍ تحترم الإنسان، وتربية تُعلم أن "الستر" أعظم من "الشهرة"، وأن "الصدق" أقوى من "الترند".
فلنعد إلى أوطاننا... قبل أن نجد أنفسنا غرباء فيها.
 

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn