"خراب البيوت يبدأ من القيل والقال"

في زمنٍ كان فيه الجار يسأل عن جاره قبل أهله، وكانت البيوت تُبنى على المحبة والتسامح، لم نكن نسمع عن هذا الكم الهائل من الصراعات والعداوات. فما الذي تغيّر؟ هل تبدّل الناس أم تبدّلت النفوس؟ هل غيّرتنا الأموال والمظاهر، أم أننا نسينا كيف كانت البدايات؟!
القيل والقال... كلمات قد تبدو بسيطة، لكنها تفتك كالسهم في خاصرة المجتمعات، وتُشعل نار الفتنة بين الأهل والأحباب، وتؤدي في نهاية المطاف إلى خراب البيوت ودمار العلاقات، وتفكيك الروابط التي كانت بالأمس مثالا يُحتذى.
كم من بيتٍ تمزق بسبب "كلمة" قيلت بلا وعي! وكم من طفلٍ بات ينام على صوت الصراخ، وفقدَ معنى الاستقرار بسبب عناد الكبار، وصراعات لا أول لها ولا آخر! أين ذهبت قيمنا؟ أين الاحترام المتبادل، وأين المحبة التي كان الآباء يربوننا عليها؟
نرى اليوم من يسعى إلى تهجير الآخر معنويًا قبل أن يكون تهجيرًا حقيقيًا من الأرض التي وُلد عليها. كأننا ننسى أن الوطن ليس فقط أرضًا نعيش عليها، بل روحًا تسكننا. كأننا نسينا أننا حلمنا يومًا أن نموت على تراب هذا الوطن الطيب، لا أن نُجبر على الرحيل عنه بسبب الحقد والكراهية.
وشرعًا، القذف، والغيبة، والنميمة، والتشهير كلها من كبائر الذنوب، وهي محرّمة بنصوص الكتاب والسنة، بل إن كثيرًا من هذه الأفعال يجرّمها القانون ويعاقب مرتكبها بالحبس والغرامة. فما الذي يدفع الإنسان ليخسر دينه، ودنياه، ومجتمعه، وربما بيته وأولاده، من أجل لحظة غضب أو كلمة جارحة أو موقف عنيد؟!
لابد من وقفة. وقفة مع النفس، مع الأبناء، مع المجتمع. لا بد أن نزرع في أولادنا الحب، والخير، والاحترام، وأن نربيهم على أن القوة الحقيقية ليست في رفع الصوت أو اليد، بل في السيطرة على الغضب وكظم الغيظ. فـ"ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب" كما قال نبي الرحمة ﷺ.
رسالة اليوم لكل من في قلبه شر أو حقد أو حسد: راجع نفسك، فوالله لن تجني من وراء ذلك إلا الخراب. المشاكل لا تولد إلا مشاكل. والقهر لا يورث إلا دمارًا. والندم، يأتي دائمًا متأخرًا.
أحمدوا الله على الأمن، والاستقرار، والستر، والمال، ولا تنساقوا خلف المحرضين والمخربين، فهم أول الخاسرين. حافظوا على بيوتكم، على أولادكم، على أرضكم، وعلى قلوبكم الطيبة.
عيشوا بالحب، عيشوا بالاحترام، عيشوا بسلام.
فمن لا يتعلم من دروس الخراب... سيتذوق مرارة الندم.