"طفلة النابالم".. الصورة التي أنهت حرب الـ20 عامًا وأزهقت أرواح الملايين

تعد صورة طفلة النابالم "فان ثى كيم فوك"، وهى طفلة فيتنامية عمرها تسع سنوات، إحدى أبشع الصور فى القرن العشرين لطفلة تجرى وتصرخ عارية بعد حرق ملابسها وجلدها؛ نتيجة قصف قريتها "تراج بانج" بقنابل النابالم. وجسدت هذه الصورة مدى بشاعة وفظاعة الحرب الأمريكية على فيتنام، وكانت أحد أسباب إنهاء هذه الحرب. 

التقط الصورة المصور الفيتنامى "نيك أوت" مراسل وكالة الأسوشتيد برس عام ١٩٧٢م. 

وبعد التقاط الصورة، قام المصور بنقل الطفلة إلى المستشفى لعلاجها، لكنه صدم برفض الأطباء علاج الطفلة بحجة أن حروقها بالغة جدًا ويصعب إنقاذ حياتها، فقام بإشهار بطاقته الصحفية، وهدد بفضح المستشفى فى الصحف والوكالات إذا لم يقوموا بعلاجها.

 قضت الطفلة أكثر من عام في المستشفى؛ لعلاجها وكانت تعيش بألم مستمر وحركة محدودة. 

وحصلت هذه الصورة على جائزة "بوليتزر" عام ١٩٧٣م عن فئة تصوير الأخبار العاجلة. 

وأرسل المصور الصورة، وتصدرت صفحات وأغلفة عدة محلات منها "نيويورك تايمز"، و"نيويورك ديلي نيوز" و"لوس أنجلوس تايم" وأكثر من ٢٠ صحيفة أمريكية أخرى، كما نشرت الصورة بصحف أوروبا والعالم، وباتت رمزاً للمشاعر المناهضة للحرب، وأثرت الصورة بشكل كبير في الرأي العام الأمريكي والعالمى. 

لم يجد الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون فى البداية إلا التشكيك فى صحة الصورة، وبعد ذلك شكلت الصورة ضغطاً على موقف الرئيس نيكسون فى الانتخابات، فأصدر قراره بوقف الحرب، كما أوقف دعم فيتنام الجنوبية بالأسلحة، وقرر سحب الجيش الأمريكى من فيتنام. 

لم يتوقع المصور أن هذه الصورة ستكون أحد أسباب إنهاء الحرب التى استمرت منذ عام ١٩٥٥م وحتى تاريخ سقوط مدينة سايجون فى ٣٠ أبريل عام ١٩٧٥م.

وبدأت هذه الحرب بعد تقسيم فيتنام إلى شمالية وجنوبية، وقامت أمريكا برئاسة الرئيس الأمريكي آيزنهاور بدعم فيتنام الجنوبية عسكريًا فى مواجهة فيتنام الشمالية المدعومة من الصين والاتحاد السوفيتي؛ بغرض إسقاط أى حكم شيوعى بآسيا. 

 واستمر بعده الرئيس الأمريكى جون كيندى فى دعم نظام سايجون حتى بلغ حجم الجيش الأمريكى نحو ٩ آلاف مقاتل عام ١٩٦٢م، وعلى هذا النهج استمر بعده الرئيس جونسون ليرتفع عدد الجنود الأمريكيين منذ عام ١٩٦٦ إلى ٢٨٦ ألفا تم إرسالهم على مراحل وخاضوا حروبا جوية وبرية فى فيتنام. 

وانتهت الحرب  فى عهد الرئيس الأمريكى نيكسون بانتصار فيتنام وانسحاب القوات الأمريكية التى تكبدت خسائر فادحة تمثلت فى ٥٨ ألف قتيل و٣٠٤ آلاف جريح، كما بلغت خسائر الحرب من الفيتناميين مليونا ومائة ألف قتيل وثلاثة ملايين جريح و١٣ مليون لاجئ.

كما لم يتوقع أحد نجاة الطفلة وتغير حياتها بعد انتهاء الحرب، حيث تعيش فوك حاليا مع زوجها وطفليها في كندا، وتم تعيينها سفيرة النوايا الحسنة لليونسكو عام ١٩٩٧م، كما تدير مؤسسة خيرية تحمل اسمها، والتي تعنى بتأمين المساعدة الطبية لضحايا الحروب من الأطفال.

وفي عام ١٩٩٦م زارت كيم فوك الولايات المتحدة، وقابلها "جون بلامار" الطيار الذي قصف قريتها بقنابل النابالم، وطلب منها باكيًا أن تسامحه فسامحته. 

وأكدت فوك فى حديث صحفى أنها "تكره صورتها الشهيرة" وتشعر بـ"القبح والخجل"! لكونها عارية بعد حرق ملابسها وجلدها بتأثير النابالم،  وبعد الحادث كانت على وشك الانتحار؛ لأنها "عاشت صدمة نفسية وآلام جسدية شديدة"، وعبرت فوك عن سعادتها أنها مازالت على قيد الحياة حتى الآن. 

 وقد أجرى لفوك العديد من عمليات التجميل والتدخلات الجراحية وزرع الجلد؛ لتتخلص من آثار الحروق التي أصابت نصف جسدها. 

وظلت تعالج منذ تاريخ الحادث فى ١٩٧٢م حتى خضعت لجولتها الأخيرة من العلاج بالليزر فى عام ٢٠٢٢م، وبعد خمسين عاما التقت فوك بالمصور نيك أوت فى أمريكا وشكرته على إنقاذ حياتها، وقالت عنه بعد التقاط الصورة ترك الكاميرا، وذهب بها فى سيارته إلى المستشفى لإنقاذها، وظل فترة من الزمن يتردد على المستشفى ليطمئن عليها بعد الحادث. 

وهنا يظهر دور الصحافة فى توثيق جرائم الحرب الفيتنامية، الذى لم يكن العالم ليعرف شيئاًً عن مأساة الطفلة الفيتنامية وشعبها، وعليه يتضح  دور الصحافة الهام فى  حماية المدنيين وقت الحروب؛ بتوثيق الاعتداءات وجرائم الحرب التى تحدث للمدنيين خلال فترة الحروب. 

وهذا ما يفسر قيام الجيش الإسرائيلى فى الوقت الحالى باستهداف الصحفيين والمراسلين فى غزة؛ لمنع توثيق جرائم الحرب فى حق المدنيين الفلسطينين..  فهل تنجح الصور الصحفية والمقاطع المصورة الذى وثقت جرائم الحرب الإسرائيلية على المدنيين فى غزة  لتمارس الضغط على الرأى العام الأمريكى والعالمي؛ للضغط على الرئيس الأمريكى بايدن فى عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية بوقف الدعم المادى والعسكرى اللامحدود لإسرائيل لوقف المجازر الجماعية من جانب الجيش الإسرائيلى فى حق المدنيين العزل فى غزة؟!