شخصية وعلامه مع نور سلامه

محمد الدرة... الطفل الذي هزّ ضمير العالم
الأحد 4 مايو 2025 

في ظهيرة مشؤومة من يوم 30 سبتمبر عام 2000، أطلّ وجه صغير من خلف برميل إسمنتي في شارع صلاح الدين جنوب مدينة غزة، ليتحول في دقائق إلى أيقونة للانتفاضة الفلسطينية، وصرخة مكتومة في وجه عالمٍ أصم. كان ذلك الطفل هو محمد الدرة، ابن الاثني عشر ربيعًا، الذي استشهد في أحضان والده أمام عدسات الكاميرات، في مشهد لم يُمحَ من ذاكرة الإنسانية.
ولد ليُقتل أمام العالم
وُلد محمد الدرة في 4 مايو 1988، في حي البريج بقطاع غزة، وسط أسرة فلسطينية بسيطة كغيرها من العائلات التي ذاقت مرارة الاحتلال والحصار. لم يكن يعلم أنه سيغدو في المستقبل اسمًا يتصدر نشرات الأخبار، ولا أن عينيه الواسعتين ستؤلم كل من شاهدها في لحظاته الأخيرة، وهو يحتمي بجسد والده خلف جدار إسمنتي هش، في محاولة عبثية للاحتماء من رصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي.
الكاميرا التي انتصرت للحقيقة
وثّق المصوّر الفرنسي "شارل إندرلان" من قناة فرنسا 2 مشهد اغتيال الطفل محمد الدرة، الذي حاول والده جمال الدرة حمايته بجسده، إلا أن الرصاص الإسرائيلي لم يرحم طفولة محمد ولا توسلات والده. وانتشر المشهد كالنار في الهشيم، وأثار موجات غضب عالمية، وأدانته مؤسسات حقوق الإنسان، لكن دون محاسبة الجناة.
رمز الانتفاضة... وبطل رغم موته
أصبح محمد الدرة رمزًا لانتفاضة الأقصى التي اشتعلت في أعقاب اقتحام أرييل شارون للمسجد الأقصى. صوره جابت العالم، واسمه كُتب على جدران المخيمات والجامعات، وتمت تسمية شوارع ومدارس باسمه في فلسطين وخارجها.
محاولات التشويه... والرد الشعبي
في السنوات التالية، حاولت جهات إعلامية إسرائيلية تشويه الحقيقة والتشكيك في رواية استشهاده، إلا أن دلائل الفيديو وشهادة الأب والتقارير الطبية والحقوقية، أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن محمد كان ضحية جريمة حرب موثقة بالصوت والصورة.
صرخة لن تموت
محمد الدرة لم يكن أول طفل فلسطيني يسقط برصاص الاحتلال، ولن يكون الأخير ما دام الظلم قائمًا، لكن مشهد رحيله ترك أثرًا لا يُمحى. لقد تحوّل محمد من طفل بسيط إلى رمز عالمي للمظلومية الفلسطينية، وصورة باقية في وجدان أمة تبحث عن كرامة وعداله.