فريد عبد الوارث يكتب: بعلم الوصول إلى غلمان الخليج

أمَّا بَعْـد: فوا غوثاه... وا غوثاه... و السلام".. بتلك الكلمات القليلة استغاث سيدنا عمر بن الخطاب بأهل مصر في رسالته إلى عمرو بن العاص، الذي جمع المصريين ليقرأ الرسالة المحترقة الملتهبة الباكية المؤثرة أمامهم؛ و لما قرأها عمرو؛ أجاب عمر على الهواء مباشرة قائلاً: "لا جرم! و الله لأرسلن لك قافلة من الطعام أولها عندك في المدينة و آخرها عندي في مصر" و قدم المصريون أموالهم و بذلوا الطعام، و حملوا الجمال و ذهبت القافلة تزحف كالسيل، و تسير كالليل، تحمل النماء و الحياة و الخير و الزرق و العطاء لعاصمة الإسلام.
الحديث عن مصر و فضلها على الأمم منذ فجر التاريخ لا ينتهي و حينما أذكر مصر فلست أدري من أين أبدأ ؟ و ماذا أكتب؟ لكن من يسرد تاريخ أم الدنيا سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه فإذا ذكرت مصر فإن الدنيا سوف تعترف و تقر، مصر التي شكرت ربها، و سجدت لمولاها، مصر التي قدمت قلوبها طاعة لربها، دخلت مصر في الإسلام طوعاً، و دخل الإسلام قلب مصر حباً، فذاد أبنائها عن دينه، و حموا شرعه، و نشروا منهجه، و نصروا أمته في كل النوائب و رفعوا راية الأمة عالية خفاقة.
لكن سفهاء العصر لا يعرفون قيمة مصر و خاصة حينما تفجرت آبار النفط في صحرائهم فحولتهم من رعاة للإبل إلى أصحاب مليارات لا يدرون كيف يستغلونها و لا حتى كيف يحمونها؟ يتقلبون بين الدول الكبرى مقدمين فروض الطاعة و الولاء متنازلين عن ثروات بلداهم و أموالهم لمن يعدهم بحماية عروشهم من أطماع الفرس، غاب عن ذاكرتهم التي تشبه ذاكرة السمك أن من حماهم طوال التاريخ و دافع عنهم و قدم الدماء بلا مقابل هم المصريون و فقط.
يتخيل محدثي النعمة حين يتحالفوا مع إسرائيل الصهيونية أنهم باتوا بمأمن من غدرها فينطبق عليهم المثل القائل: كالمستجير من الرمضاء بالنار و هو يُستخدم للتعبير عن الشخص الذي يلجأ إلى شيء أو شخص يظنه أفضل حالاً من الوضع الذي هو فيه، لكنه في الواقع يكون أسوأ، أو يزيد من مشاكله، و الرمضاء هي التراب الحار أو الحصى الملتهب، و النار هي مصدر أشد ضرر!
ويبقى السؤال.. ألا تكفي الأربعة تريليون دولار التي تبرعتم بها لبلطجي البيت الأبيض لشراء أسلحة العالم كله لتحميكم؟ فأي هبل و هطل أصابكم؟ و كيف غاب عنكم أن ترليون واحد منها كفيل بإنشاء جيش عربي لا تهزمه جيوش العالم كلها؟ لكنه الهوان و الذل في أوضح صوره، و التفريط في أبسط قواعد الكرامة و العزة و بيع للتارخ و المستقبل بثمن بخث، فتاريخ أولئك الأعراب مليئ بالمراثي و البكاء على اللبن المسكوب منذ ذهب امرؤ القيس إلى كسرى و المنذر ليعيدا له بنت عمه و مات على أبوابه مذلولا، فلم يكن لرعاة الأغنام تاريخ إلا بمصر و لن يكون لهم بقاء أو مستقبل دونها.
فها هي اسرائيل تعلن انها جزء من تحالف عسكرى سني مع السعودية ستكون نتيجته تسيّد إسرائيل، بحيث يكون لها الكلمة _هكذا يخططون_ لتحمي الممالك الخليجية، كلاهما يحمي الآخر ممالك الخليج العربي تحمي إسرائيل بتشريع الأبواب أمامها بل تجاوزته إلى فرض اسرائيل الهيمنة الشاملة على المنطقة و ثرواتها و قرارها و مصيرها!.
أما مصر فيكفيها قول الشاعر
بها ليل في الإسلام سادوا
ولم يكن لأولهم في الجاهلية أول
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابو
و إن أعطوا أطابوا و أجزلوا
و لا يستطيع الفاعلون كفعلهم
و إن حاولوا في النائبات و أجملوا