كتلة رماد أم فخ جديد؟

في الساعات الأولى من صباح اليوم، تسربت أنباء عاجلة عن هجمات أوكرانية استهدفت مطارات عسكرية داخل العمق الروسي، وهو ما اعتبره البعض تطورًا نوعيًا في جرأة كييف، فيما رأى آخرون أنه تكرار لفخ روسي جديد يُنصب لأوكرانيا على غرار ما حدث في أكثر من مناسبة سابقة.
وسائل إعلام روسية تحدثت عن "أضرار محدودة"، بينما أفادت مصادر أوكرانية بأن العملية كانت "ناجحة ومركزة"، واستهدفت قواعد تقلع منها الطائرات الروسية المسيّرة والصواريخ المجنحة التي تُضرب بها كييف وخاركيف ودنيبرو.
فخ أم اندفاع؟
يرى المحلل العسكري الروسي إيغور كوروتشينكو أن أوكرانيا "تقع للمرة المليون في نفس الفخ"، معتبرًا أن موسكو تتعمد التراخي أمنيًا في بعض المواقع لتفتح شهية الهجوم الأوكراني، ثم ترد بعنف بالغ يُحدث تحولًا في الرأي العام الدولي تجاه الموقف الروسي، ويعطي غطاءً لهجوم كاسح.
أما في كييف، فيبدو أن الرهان لا يزال على استنزاف الداخل الروسي وزعزعة معنويات المواطن العادي، لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء وأثره الاقتصادي على موسكو. لكن الحقيقة المرة أن موسكو، بخبرتها في الحروب طويلة النفس، تعرف كيف توظف الألم الشعبي لصالح خطابها القومي.
هل تتحول أوكرانيا لكتلة رماد؟
التعبير صادم، لكنه يتكرر في بعض المنصات القريبة من الكرملين، حيث يلوّح بعض المحللين بعودة موسكو إلى "عقيدة الردع الصارم"، مستشهدين بكلام بوتين الأخير بأن "حدود الحرب قد تتسع إذا لزم الأمر"، دون أن يحدد شكل هذا التوسع، مما يترك الباب مفتوحًا على كل السيناريوهات.
التلفزيون الروسي الرسمي بدأ بالفعل في عرض تقارير عن "قدرات تدميرية لم تُستخدم بعد"، في إشارة مبطنة ربما إلى استخدام أنواع جديدة من الأسلحة، أو شن غارات جوية غير مسبوقة، قد تطال البنية التحتية الحيوية الأوكرانية، لا سيما في الغرب الذي ظل بعيدًا نسبيًا عن الجحيم الروسي.
ماذا يقول العالم؟
في المقابل، فإن النبرة الغربية لا تزال مترددة. الولايات المتحدة تكتفي حتى الآن ببيانات الشجب وتأكيد الدعم "غير المحدود" لأوكرانيا، بينما تحث أوروبا على "ضبط النفس" وتخشى من "توسيع نطاق الصراع خارج الحدود".
يقول الخبير الألماني "ماركوس كيبلر" في مقابلة مع قناة ZDF: "كلما زادت أوكرانيا من عملياتها الهجومية داخل روسيا، زادت احتمالية رد روسي غير متوقع وغير محسوب". وهي إشارة واضحة إلى أن الكل يعرف أن بوتين ليس من النوع الذي يترك الضربات تمر بلا ثأر.
خلاصة المشهد
المعادلة الآن تبدو في منتهى الخطورة: أوكرانيا تراهن على شجاعة الهجوم، وروسيا تستعد لرد قد لا يتوقعه أحد. ووسط هذا كله، يبقى المواطن الأوكراني والروسي في مرمى النيران، ومعهما مستقبل الأمن الأوروبي كله.
فهل يتحول جزء من أوكرانيا إلى "كتلة رماد" بالفعل؟ أم أن الحديث عن الفخ الروسي لا يزال قائمًا؟ الأيام القادمة، وربما الساعات، ستكشف لنا الكثير.