فريد عبد الوارث يكتب: حفلات على جثّة الأخلاق: الساحل الشرير بين العري و ضياع القيم

في مشهد بات يتكرر كل صيف، يتحوّل الساحل الشمالي من مجرد وجهة صيفية راقية إلى مسرح مفتوح لانهيار القيم و تراجع الذوق العام، الحفلات التي تقام في قرى الساحل لم تعد مجرد مناسبات موسيقية ترفيهية، بل أصبحت – للأسف – عروضًا صاخبة للعري، التفاخر الطبقي، و الانفلات الأخلاقي، وسط صمت اجتماعي و احتفاء إعلامي، لا يخلو من تواطؤ خفي.
حفلات بلا خطوط حمراء
صور فتيات بملابس شبه عارية، شباب يتراقصون حتى الصباح، خمور و مخدرات متاحة بسهولة، و مقاطع تُنشر بفخر على "تيك توك" و"إنستغرام"، كلّها مشاهد أصبحت روتينًا معتادًا في حفلات الساحل.
هذه "الحريات المزعومة" تُقدم اليوم كدليل على الرقي والانفتاح، بينما هي في جوهرها انعكاس لانفصال متزايد عن منظومة القيم المجتمعية، وابتعاد عن أي توازن بين "الحرية" و"المسؤولية".
الأسعار تحكم.. والترفيه لمن يملك فقط
الحفلة الواحدة قد تكلف الحضور ما بين 3000 و20,000 جنيه، فضلًا عن أسعار خيالية للمشروبات، والمقاعد الـ VIP، وحتى مواقف السيارات، الرسالة واضحة: الترفيه أصبح امتيازًا طبقيًا لا يستحقه سوى القادر ماليًا.
حفلات لا يدعو إليها الفن أو الذوق، بل الرصيد البنكي و"الستايل"، فيما تُغلق الأبواب في وجه الموهوبين الحقيقيين ممن لا يملكون تذاكر الدخول، ولا بطاقات التعريف بالقرى المغلقة.
وسائل التواصل.. الشريك غير البريء
وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا أساسيًا في ترويج وتطبيع هذه الحفلات، فاللقطات المصوّرة تُظهر الساحل كمكان أسطوري، و الجسد كأداة للوصول إلى الشهرة، بينما تُخفي هذه المنصات وراءها واقعًا هشًّا مليئًا بالمظاهر الفارغة والضغوط النفسية الهائلة على فئة الشباب.
رأي خبير اجتماعي: اغتراب قيمي وانفصال مجتمعي
يقول د. أحمد سعد – أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: "ما نشهده هو حالة من الاغتراب القيمي، حيث يبتعد الفرد عن ثقافة مجتمعه سعيًا وراء الانتماء إلى طبقة أو نمط حياة لا يشبهه، الخطير أن هذه الحفلات لا تُقدم رسالة، بل تُكرّس أن النجاح يُقاس بالمظهر لا بالجوهر، وأن القيمة الاجتماعية ترتبط بما ترتديه لا بما تقدمه."
رأي خبير نفسي: أزمة هوية وضغط نفسي شديد
تقول د. منى الجوهري – استشارية الطب النفسي وعلاج الإدمان: "هذه الأجواء تُعمّق لدى المراهقين ما نسميه بـاضطراب الهوية، حيث يشعر الفرد بعدم كفايته، و أنه يجب أن يشبه هذا النموذج الجسدي أو النخبوي ليكون مقبولًا، فبعض الشباب يدخل في حالات اكتئاب، إدمان، أو سلوكيات متمردة كوسيلة لتعويض الشعور بالنقص أمام هذه النماذج المزيفة."
غياب الدولة والأسرة.. من يوجه ومن يراقب؟
بين تهاون الجهات الرقابية، و صمت الأسرة، وانسحاب المجتمع المدني، تُترك الأجيال الجديدة في مهب رياح لا ترحم، لا توجيه، لا نقد موضوعي، فقط "ترند" يُلاحق، وصورة تُنشر، وانبهار زائف بحفلة جديدة، و"لوك" أغرب من سابقه.
لسنا ضد الحفلات، ولا الموسيقى، ولا مظاهر البهجة، لكننا ضد ما يُنسب زورًا للفن وهو منه براء.
نحن بحاجة لفن يُعبّر عنّا، يرتقي بعقولنا، يُضيف إلى ثقافتنا، لا يُنقص من قيمتنا، فن لا يكون مساحة للتمييز الطبقي أو عرض الأجساد، بل منصة لتقديم الموهبة الحقيقية، و الانتماء الحضاري، و الذوق الراقي.
حفلات "الواجهة".. وبقايا مجتمع يتأمل
الساحل الشمالي أصبح مرآة لمجتمع يختنق بين وهم الحرية وسلطة المال، و بين الانبهار بالشكل والفراغ في المضمون،
حفلاته تسحق القيم تحت أقدام الصخب، و تستبدل الفن بالاستعراض، والحضور الحقيقي بالتذاكر الباهظة.
فهل حان وقت المراجعة؟
و هل نملك الشجاعة لنقول كفانا عري وابتذال و تدمير للأجيال؟