18:10 | 23 يوليو 2019

لماذا خسر الإعلام المصري معركته؟ بقلم : فريد عبد الوارث

7:18pm 13/07/25
فريد عبد الوارث

في مشهد غير مألوف إلا في أوقات الحروب أو الكوارث الكبرى، يتحول الإعلام العربي بكل ثقله نحو دولة واحدة: مصر. ليس لتغطية مناسبة فنية أو حراك ثقافي، بل لمتابعة دقيقة، ومحاسبة مستمرة، بل أحيانًا للسخرية والتشكيك والتضليل، على مدار الساعة.

 

والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا أصبحت مصر تحت المجهر الإعلامي العربي؟ ولماذا لم يعد المواطن المصري يسمع عن بلده من إعلامه المحلي، بل من قنوات تبث من الخارج؟

 

الهيمنة الإعلامية الخليجية على الشأن المصري

 

في مفارقة لافتة، خصصت السعودية وحدها أربع قنوات لتغطية الشأن المصري توجه رسائل و تحلل الأحداث و تؤثر في الرأي العام المصري، في وقت يعاني فيه الإعلام المحلي من التكرار والجمود والانفصال عن نبض الشارع.

 

أما قطر، فقد كانت سباقة عبر الجزيرة مباشر مصر سابقًا، وقناة العربي التي ما تزال تخصص تغطيات منتظمة للشأن المصري. بينما دخلت الإمارات على الخط من خلال سكاي نيوز عربية – مصر وقناة الشرق المدعومة إماراتيًا، وهي منصات تحلل ملفات مصر السياسية و الاجتماعية بمهنية وجاذبية عالية.

 

كل هذا يجري ضمن مشهد يتسم باحترافية تقنية عالية، ومهنية تحريرية، وميزانيات ضخمة... مقابل إعلام داخلي يبدو أنه ما زال يُدار بعقليات الستينيات.

 

ولا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه المنصات التابعة لجماعات الإسلام السياسي مثل رصد، مكملين، الشرق (بنسختها المعارضة)، وطن، والتي تخصص محتواها بالكامل لانتقاد الدولة المصرية، وتضخيم الأخطاء، والتقليل من الإنجازات، في إطار مشروع إعلامي يسعى لهز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.

 

هل هو تراجع... أم انسحاب ناعم؟

 

في المقابل، يتصدر الإعلام الرسمي المحلي مجموعة من الأسماء المكررة، التي تتعامل مع الشاشة باعتبارها منصة للخطاب الأحادي، لا للحوار، منابر تتجنب النقد والتحقيق، وتنشغل بالتبرير بدلًا من الفهم والتحليل، ما أدى إلى عزوف الجمهور عنها، وهروبهم نحو القنوات الخارجية.

 

لقد أطلق كثيرون صيحات التحذير من هذا الانهيار، ولكن يبدو أن تلك الأصوات لم تجد من يسمعها، أو أنها وصلت متأخرة جدًا.

 

من الريادة إلى التبعية الإعلامية

 

مصر التي أسست أول إذاعة عربية، وأطلقت أول قناة إخبارية فضائية ناطقة بالعربية (النيل للأخبار), وخرّجت أجيالًا من الإعلاميين الكبار، تتنازل اليوم عن موقعها الريادي لصالح من يجيد مخاطبة الجمهور بلغته، ويستخدم أدوات العصر.

 

إن ما نشهده ليس مجرد تراجع إعلامي، بل تفريط في مساحة تأثير وطنية، أصبحت تحت قبضة جهات خارجية، تُعيد تشكيل وعي المواطن المصري، و تضخ إليه مشاعر الخوف و الإحباط حتى من أبسط الأخبار.

 

ما العمل؟ وهل من أمل؟

 

إذا أردنا إنقاذ ما تبقى من الإعلام المصري، فالمطلوب ليس مجرد تحسين الأداء، بل إعادة بناء المشهد الإعلامي من الأساس، عبر:

إعادة هيكلة الإعلام المصري جذريًا، و تحريره، و إفساح المجال لتعدد الآراء دون تخوين أو وصم، بالإضافة لتمكين الإعلاميين الحقيقيين من أدواتهم و منابرهم، مع دعم منصات إعلامية رقمية مستقلة و حديثة. 

 

الوعي لا يُصنع بالشعارات... بل بالاحتراف

 

مصر لا تعاني فقط من أزمة إعلام، بل من غياب رؤية إعلامية احترافية تواكب تغيرات العصر، و بينما تتحدث القنوات العربية عن مصر أكثر من قنواتها المحلية، يبقى المواطن حائرًا، يبحث عن الحقيقة في مكان آخر.

 

إذا لم ندرك أننا في معركة وعي شرسة، فسنواصل خسارة عقول الناس، حتى و نحن نردد الشعارات الوطنية الرنانة دون تغيير حقيقي.

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum