فريد عبدالوارث يكتب : متى تنتهي معاناة الفلاح؟ ارتفاع أسعار الأسمدة.. جرح يتجدد كل عام

في صمت الحقول، و تحت حرارة الشمس الحارقة، يعمل الفلاح المصري كعادته، يزرع الأمل في الأرض رغم ما يواجهه من صعوبات، لكنه في كل موسم جديد، يصطدم بجدار أزمة باتت تتكرر بشكل مؤلم و هي الارتفاع الجنوني لأسعار الأسمدة، و كأن هذه المعاناة أصبحت قدرًا محتومًا لا مفر منه، تتجدد كل عام بنفس التفاصيل، و نفس الإهمال، و نفس النتيجة .. خسائر متزايدة للفلاح، و تدهور مستمر للزراعة.
قصة تتكرر بلا حل
مع بداية موسم الزراعة، تعلن الجمعيات الزراعية عن صرف الحصص المقررة من الأسمدة المدعومة، و بمجرد الإعلان، تبدأ الكارثة، يختفي السماد من المخازن قبل أن تصل الكميات الحقيقية إلى أيدي الفلاحين! وفي اليوم التالي، يظهر في السوق السوداء بأضعاف سعره الرسمي.
كيس السماد الذي يُفترض أن يُباع بـ 260 جنيه، يباع بـ 1300 إلى 1500 جنيه، و مع غياب الرقابة، يضطر الفلاح للشراء بهذا السعر المرتفع، حتى لا تتلف أرضه أو يفوته موسم الزراعة.
الضحية الدائمة: الفلاح
إن الفلاح في مصر لم يعد فقط يواجه التقلبات المناخية أو ارتفاع أسعار المبيدات و التقاوي، بل أصبح ضحية جشع التجار، و تقصير المسؤولين، وفساد بعض الجمعيات الزراعية التي من المفترض أن تكون حائط الصد الأول لحمايته.
بعض الفلاحين يضطرون لبيع مواشيهم أو الاستدانة لسد احتياجات موسم الزراعة، و بعضهم الآخر يترك الأرض بورًا، في انتظار موسم أفضل... قد لا يأتي.
هذا العبء المتكرر لا يُثقل فقط كاهل الفلاح، بل يُهدد أمن البلد الغذائي، إذ أن تقليص المساحات المزروعة أو العزوف عن الزراعة قد يؤدي إلى فجوات إنتاجية خطيرة، و سنضطر حينها إلى استيراد المحاصيل بأسعار مرتفعة في ظل أزمة اقتصادية خانقة.
الأسمدة.. تجارة رابحة على حساب الوطن
لم تعد الأسمدة مجرد منتج زراعي، بل تحولت إلى سلعة مضاربات في سوق فوضوي، يتحكم فيه بعض المحتكرين ممن يصدرون الكميات الكبيرة للخارج لتحقيق أرباح بالدولار، بينما يُترك الفلاح المصري يواجه الغلاء و العجز بمفرده.
ويُثار هنا سؤال مشروع:
كيف تصدر الدولة آلاف الأطنان من الأسمدة سنويًا، و تترك فلاحها لا يجد الكمية التي يحتاجها؟
تصدير الأسمدة ليس في حد ذاته خطأ، لكن الخطأ هو عدم توازن السوق المحلي أولًا، و غياب آلية عادلة لتوزيع الدعم، و عدم وجود رقابة صارمة على المتلاعبين بالأسعار.
أين وزارة الزراعة؟ وأين الجمعيات الزراعية؟
مما يدعو للأسف أن الجهات المسؤولة غائبة تمامًا عن المشهد الحقيقي في الحقول، فالوزارة تُصدر بيانات مطمئنة لا تُطابق الواقع، والجمعيات الزراعية تعاني من بيروقراطية مزمنة وفساد غير خفي، والتجار يسرحون ويمرحون بلا رادع.
لا حملات تفتيش حقيقية، ولا تدخل حكومي فعّال للسيطرة على السوق، و الفلاح – ككل مرة – يُترك ليواجه مصيره وحده، بلا حماية، بلا دعم، بلا عدالة.
الزراعة ليست قطاعًا هامشيًا.. بل شريان حياة
في بلد كـمصر، حيث كانت الزراعة عماد الحضارة والتاريخ، لا يُعقل أن نعامل هذا القطاع وكأنه عبء اقتصادي، الزراعة هي ضمان للأمن الغذائي، و أساس للتنمية، و سند للفقراء. فإذا انهارت الزراعة، انهار معها الاقتصاد الريفي، وزادت البطالة، و ارتفعت أسعار الغذاء على كل المواطنين، فإن دعم الزراعة ليس فقط دعمًا للفلاح، بل هو دعم للمجتمع بأكمله.
رسائل صريحة إلى من يهمه الأمر
وزارة الزراعة: لا نريد مؤتمرات، بل حلول حقيقية، دائمة، و عاجلة، ابدأوا بمراجعة منظومة توزيع الأسمدة، و شكلوا لجان رقابة فاعلة من خارج منظومة المصالح المغلقة.
الجمعيات الزراعية: أنتم الخط الأول في معركة إنقاذ الزراعة. لا تكونوا جزءًا من الأزمة، بل جزءًا من الحل، الفلاح ليس عدوكم، بل شريك في بناء مستقبل هذا البلد.
مجلس النواب: أين دوركم الرقابي؟ لماذا لا تُفتح تحقيقات حقيقية في هذه الظاهرة التي تتكرر سنويًا؟ أين التشريعات التي تضمن توزيعًا عادلًا للمدخلات الزراعية؟
كل مسؤول يملك قرارًا: انزلوا إلى القرى، استمعوا للفلاحين، وانظروا في أعينهم، ستعرفون حينها أن الأزمة ليست فقط في السماد، بل في فقدان الثقة في مؤسسات يُفترض أن تكون سندًا لهم.
صرخة من الأرض
الفلاح لا يطلب المستحيل، هو فقط يريد أن يجد السماد بالسعر المعلن، يريد أن يُزرع دون أن يُذل، يريد أن يحصد دون أن يخسر.
فهل نملك الإرادة لنُوقف هذا العبث المتكرر؟ أم سنظل نكتب عن نفس الأزمة كل عام، بينما الحقول تبور، و الأمل يذبل، و العدالة تغيب؟