18:10 | 23 يوليو 2019

فريد عبد الوارث يكتب: سوريا الممزقة: بين الشرع و مشروع ممر داود

3:49pm 18/07/25
صوره ارشيفيه
فريد عبدالوارث

حين يصبح الوطن رقعة شطرنج، كيف أصبحت سوريا التي كانت ذات يوم نقطة ارتكاز في معادلات الشرق الأوسط رقعة شطرنج و مسرحًا لتجاذبات إقليمية ودولية تُحاك خيوطها في العواصم البعيدة؟ تُنفَّذ على أرض شعب أنهكه الخراب والتشريد من حرب أهلية مدمرة، إلى تفكك اجتماعي، إلى احتلالات مقنعة، تقف سوريا اليوم على مفترق طرق خطير،و هذا التفكك لم يكن صدفة، بل نتيجة مخطط طويل، ساهمت في تنفيذه أطراف متعددة، من بينها أسماء داخلية لم تعد خافية، أبرزها: أحمد الشرع.

 

أحمد الشرع و دوره في تمييع الثوابت السورية

 

يروي دبلوماسيون سابقون أن الشرع كان أول من تحدث عن "الواقعية الجديدة في سوريا" خلال مفاوضات غير معلنة عام 2013، داعيًا إلى تقبل فكرة "اللامركزية الواسعة" كمخرج للحل السياسي، وهي ذات العبارة التي استخدمتها لاحقًا قوى دولية لتبرير مشروع التقسيم.

 

في تسريبات محادثات بين الشرع و بعض المستشارين الغربيين، تحدث عن ضرورة التخلي عن "الحلم القومي التقليدي" و الانفتاح على مشاريع "إقليمية أكثر واقعية"، ما فُسّر على أنه مباركة ضمنية لتفكيك الدور التاريخي لسوريا.

 

إسرائيل الكبرى... من نهر الفرات إلى النيل

مشروع "إسرائيل الكبرى" ليس نظرية مؤامرة، بل سياسة موثقة، منذ تأسيس الدولة العبرية عام 1948، ومرورًا بالوثيقة الشهيرة لـ"خطة ينون" في ثمانينيات القرن الماضي، عملت النخب الصهيونية على إضعاف الكيانات العربية من الداخل لتأمين تفوق دائم لإسرائيل، وكان تقسيم سوريا حجرًا أساسيًا في هذا التصور.

 

ممر داود: الممر الاستراتيجي الخفي

 

"ممر داود" مصطلح استخباراتي ظهر منذ عام 2015 ضمن دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، ويعني إنشاء ممر جغرافي وآمن يمتد من الجولان مرورًا بشرق سوريا، وصولًا إلى كردستان العراق، ثم الخليج العربي و هذا الممر يؤمّن لإسرائيل عمقًا بريًا يصلها بمصادر الطاقة في الخليج و يفصل بين محور المقاومة الممتد من طهران إلى بيروت، و يُستخدم كقناة تجارية وعسكرية تحت غطاء دولي (أمريكي/كردي/تركي).

 

أصبح هذا الممر أمرًا واقعًا بعد سيطرة قوات "قسد" على شرق الفرات، وتواجد القوات الأمريكية في قواعد عين الأسد والتنف، بدعم من تنسيق غير مباشر مع إسرائيل.

 

كيف ضاعت سوريا؟

 

تعرضت سوريا لتقسيم سياسي بغطاء دبلوماسي، لم يبدأ تقسيم بانسحاب الجيش من بعض المناطق، بل بدأ عندما أصبحت لغة التفاوض أهم من السيادة، و عندما تحوّلت بعض النخب السياسية، و منهم الشرع، إلى مروّجين لنظريات "الفيدرالية كحل دائم"، بينما كانت الخرائط تُرسم في الخارج.

 

عربدة إسرائيل: الواقع لا يحتاج تصريحًا

الغارات الإسرائيلية أصبحت شبه يومية على الأراضي السورية و استهدفت مواقع إيرانية و سورية دون أي ردع.

 

صمتت النخبة السياسية، بل تسربت معلومات بأن بعض المستشارين في دمشق رفضوا أي تصعيد ضد إسرائيل "حفاظًا على التوازن".

 

وهنا يتساءل الشارع السوري: من الذي رسم حدود هذا الصمت؟ و من سمح لإسرائيل بأن تصبح اللاعب الأول على أرضنا؟

 

ما يجري في سوريا ليس صراعًا أهليًا فقط، بل إعادة هندسة للمنطقة، شخصيات مثل أحمد الشرع تم استخدامها لتسويق سيناريوهات الخارج بلغة الداخل، و هناك صفقات لم تُعلن حتى اليوم، بعضها متعلق بتسليم مناطق حساسة تحت مسميات التهدئة أو التسوية، لكن في الحقيقة كانت بداية التقسيم.

 

الواقع المؤلم:

سوريا مقسّمة عمليًا إلى أربع مناطق نفوذ: النفوذ التركي في الشمال و النفوذ الكردي الأمريكي في الشرق و النفوذ الروسي الإيراني في الغرب، بالإضافة إلى النفوذ الإسرائيلي السري" العلني " في الجنوب، و القرار الوطني السوري بات غائبًا أو مرتهنًا.

 

الفرصة الأخيرة تبدأ من تفكيك شبكة المصالح الداخلية التي ساهمت في انهيار الدولة، و مراجعة دور الشخصيات السياسية التي عملت كوسطاء للتفكيك، و استنهاض قوى شعبية ووطنية لإعادة رسم المشروع السوري على أسس السيادة لا التبعية.

 

سوريا لا تموت، و لكنها تُغدر

 

سوريا اليوم ليست ضحية حرب فقط، بل ضحية مساومات سياسية و صمت عن المشروع الصهيوني الزاحف من شرق الفرات إلى عمق دمشق. ليس من المبالغة القول إن شخصيات مثل أحمد الشرع ساهمت بوعي أو بدون وعي في تمرير مشروع إسرائيل الكبرى من خلال تسويق "الحلول" التي كانت في جوهرها استسلامًا.

 

التاريخ لن يرحم من ساوم على وحدة سوريا، ولا من صمت عن الغارات الإسرائيلية، ولا من فتح الباب لـ"ممر داود" أن يتسلل من بين أنقاض الوطن، وما لم تُفتح الملفات وتُسمى الأمور بأسمائها، فسنظل نكتب عن سوريا كما نكتب عن فلسطين ... بمرارة الخسارة، و بحسرة الخذلان.

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum