18:10 | 23 يوليو 2019

فريد عبد الوارث يكتب: هل تنجح انتخابات النواب في استعادة الثقة؟

12:04pm 08/08/25
الكاتب الصحفي فريد عبدالوارث
فريد عبدالوارث

في مشهد انتخابي خالٍ من الحماسة، مرّت انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة بهدوء لافت، و خرجت صناديق الاقتراع شبه فارغة، كأنها تنتظر أصواتًا لم تُلبِّ النداء، ورغم الجاهزية التنظيمية و الدعوات الرسمية للمشاركة، فإن المواطن بدا بعيدًا – وربما غير معنيّ – بما جرى، وهنا لا بد أن نطرح السؤال بوضوح: لماذا غاب الناخب؟ وهل ما زال يؤمن بأن صوته يحدث فرقًا؟

منذ اللحظة الأولى، بدت المؤشرات واضحة: لا طوابير، لا نقاشات سياسية في الشارع، و لا حتى فضول جماهيري تجاه النتائج، الواقع أن كثيرًا من المواطنين لم يجدوا ما يدفعهم للمشاركة، في ظل غياب التنافس الحقيقي، و تكرار الأسماء ذاتها، و ضعف الدعاية، و انفصال البرامج – إن وُجدت – عن الواقع اليومي للناس.

لقد أصبحت الشعارات المستهلكة غير قادرة على تحفيز جمهور يبحث عن أثر ملموس لصوته، فحين يشعر الناخب أن النتيجة محسومة سلفًا، و أن ما سيقوله لن يُحدث فارقًا... فإن الامتناع يصبح موقفًا، لا تقصيرًا.

مجلس النواب... اختبار مصيري للمشهد الديمقراطي

الأنظار الآن تتجه نحو انتخابات مجلس النواب المقبلة. فبعكس مجلس الشيوخ، يتمتع النواب بسلطات تشريعية و رقابية حقيقية، ويشكّلون الرابط المباشر بين المواطن و الدولة.

هذه الانتخابات تمثل الفرصة الأخيرة – في المدى القريب – لإنقاذ المشهد السياسي ، لكن استعادة الثقة لن تتم بشعارات جديدة تُقال بنفس الطريقة القديمة، بل تحتاج إلى تغيير جذري في أدوات التواصل، و شكل التنافس، وخريطة القوى الحاضرة.

لعلّ الغائب الأكبر عن الساحة هو الدور الحقيقي للأحزاب، فمن المفترض أن الأحزاب هي العمود الفقري للعملية الديمقراطية، وهي الجسر الذي يربط المواطن بالقرار السياسي، لكنها اليوم، في معظمها، غائبة عن الشارع، وغير قادرة على تقديم وجوه جديدة، أو أفكار قابلة للتنفيذ.

في دول ديمقراطية ناضجة، الأحزاب لا تكتفي بتسمية مرشحين، بل تخلق قيادات، وتبني الوعي، و تخوض الانتخابات ببرامج واضحة قابلة للمحاسبة.

إذن، المطلوب اليوم ليس فقط مرشحين جدد، بل أحزاب حقيقية، حاضرة، قوية، ومرتبطة بالناس، فإن تفعيل هذا الدور هو شرط أساسي لنجاح أي استحقاق انتخابي قادم.

كيف نكسر دائرة العزوف؟

لإنقاذ الانتخابات المقبلة من مصير مشابه، نحتاج إلى خطة حقيقية تشمل: إعلام يخاطب الناس بلغتهم، و يشرح كيف تؤثر نتائج الانتخابات في حياتهم اليومية.

دعاية انتخابية حيوية، تخرج من إطار الصور و اللافتات إلى مناقشات حقيقية حول مشاكل المواطنين.

فرص متساوية بين المرشحين، تشمل تغطية إعلامية متوازنة، و عدالة في التمويل والدعم.

مناظرات علنية و مباشرة، تمكّن الناخب من تقييم البرامج والاختيار عن وعي.

دور قيادي للشباب، لا كمجرد جمهور، بل كمرشحين ومنظّمين ومشاركين فعليين في الحملة.

والأهم: إعادة الثقة في جدوى التصويت، يجب أن يشعر المواطن بأن صوته يُحدث فرقًا، وأن اختياراته تُحترم، وأن التمثيل النيابي حقيقي، لا شكلي.

كلمة أخيرة: المشاركة مسؤولية مشتركة

ما حدث في انتخابات مجلس الشيوخ لا يجب أن يُقرأ باعتباره مجرد حالة عارضة، بل جرس إنذار حقيقي لحالة الفتور التي أصابت العلاقة بين الشارع و السياسة.

فإذا أردنا مستقبلًا ديمقراطيًا حيًا، فلابد أن تعود الأحزاب إلى دورها الطبيعي، وأن نخلق مناخًا انتخابيًا يقوم على التنافس العادل، و التنوع السياسي، والانفتاح على الأفكار الجديدة.

الانتخابات ليست إجراءً روتينيًا، بل فرصة لصياغة المستقبل. فهل نغتنمها؟ أم نُعيد إنتاج نفس المشهد، بنفس الوجوه، و نفس النتائج... و ربما بخيبة أكبر؟

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum