فريد عبد الوارث يكتب: "الساحل الشمالي" .. بين عبث السُّفهاء و صمت الدولة

في كل صيف، يتحول الساحل الشمالي من قطعة من الجنة المصرية إلى مشهد عبثي، تتصارع فيه الفوضى مع الانحلال، وتغيب فيه القيم تحت وطأة الضجيج، والثراء الفاحش، والاستعراض الوقح!! فهل أصبح الساحل ميدانًا مفتوحًا لمهازل لا يردعها قانون، و لا يحدّها وازع أخلاقي أو مجتمعي؟
عروض ليلية... بلا خجل
من حفلات صاخبة تمتد حتى الفجر، إلى مشاهد عبثية تنقلها هواتف الزوار، يشهد الساحل الشمالي في كل عام موسمًا من الانفلات الأخلاقي والاجتماعي تحت شعار "الحرية الشخصية"، و لكن، منذ متى كانت الحرية مرادفًا للفجور؟ و من قال إن الشواطئ يجب أن تتحول إلى مسارح للابتذال، و مناطق سكنية إلى مراكز لـ"الهيصة" و التخدير الجماعي للعقول؟
السوشيال ميديا... مرايا تُظهر القبح
لم تَعُد مهازل الساحل سرًا بين جدران الفيلات المغلقة أو نوادي الصفوة؛ بل صارت متاحة للجميع بفضل منصات التواصل الاجتماعي، التي تنقل لحظة بلحظة مشاهد البذخ المستفز، و الرقص الماجن، و الإسراف المَرَضي، والتعالي الطبقي، إن ما يُبث من هذه المناطق لا يمثل حياة مترفة بقدر ما يكشف عن انحدار سلوكي عميق، بات يهدد النسيج الأخلاقي للمجتمع.
أين الدولة؟ ولماذا الصمت؟
حين خرج علينا مشاهير "التيك توك" بمحتويات مبتذلة، هبّت أجهزة الدولة بكل حزم، وقُدِّم البعض منهم للمحاكمة، تحت تهم تتعلق بـ"التحريض على الفسق" و"نشر الفجور"، فلماذا إذًا يُغمض الجميع أعينهم أمام ما يحدث في الساحل الشمالي؟ أليس ما يُعرض هناك أكثر خطورة؟ أليس المحتوى الذي يصدر من حفلاته و مجالسه يُغرق شبابنا في ثقافة الاستعراض و الانحلال و اللامسؤولية؟
إن ازدواجية المعايير في التعامل مع مصادر التلوث المجتمعي تثير كثيرًا من علامات الاستفهام، لا يجوز أن نُحاكم فتاة فقيرة على رقصة، بينما نصمت عن تجاوزات بملايين الجنيهات ترتكبها طبقة تملك المال والنفوذ.
المجتمع في مرمى النيران
الساحل الشمالي لم يعُد مجرد منطقة سياحية، بل تحول إلى منصة تُعيد تشكيل وعي الشباب، وتزرع في عقولهم قيَمًا مشوهة، حيث يُقاس النجاح بما ترتديه، والمكان الذي تسهر فيه، ومن تجالس!! إنها ثقافة الاستهلاك، والسطحية، والفراغ... التي تحوّلت إلى قدوة زائفة.
الحل يبدأ من المواجهة
ما نحتاجه اليوم ليس مزيدًا من الغضب الصامت، بل موقفًا واضحًا من جميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والإعلام، يجب فرض الرقابة على ما يُبث من هذه المناطق، و تنظيم ما يُقام من فعاليات، والتصدي للظواهر الشاذة كما تم التصدي لمهازل التيك توك، فالقيم لا تتجزأ، والمجتمع لا يُحمى بالصمت.
ختامًا، إن الدفاع عن أخلاقيات المجتمع لا يجب أن يُنتقى وفق الطبقات، ولا يُطبّق على الضعفاء فقط، فكما تُحاسب فتاة بسيطة على هاتفها، يجب أن يُحاسب من يمتلك في يده كاميرات وأضواء وصوتًا عابرًا للحدود، إذا أساء استخدامه، وإلا فإننا نعيش في وهم العدالة، ونتفرج على مجتمع ينحدر دون مقاومة.