فريد عبد الوارث يكتب: : كيف تخدعنا فيديوهات الذكاء الاصطناعي وتخترق أخلاقنا؟

خطر آخر يواجه مجتمعنا في زمنٍ لم تعد فيه الحقيقة مرهونة بما نراه بأعيننا، حيث تظهر فيديوهات الذكاء الاصطناعي لتقلب الموازين، و تزرع الشك في كل مشهد ومقطع، حتى تلك التي تبدو واقعية حتى النخاع! لم يعد الأمر مجرد ابتكار تقني يُدهشنا، بل تحول إلى سلاح ناعم قد ينفجر في وجه الأخلاق والمجتمع والأسرة، دون سابق إنذار.
فيديوهات الذكاء الاصطناعي، أو ما يُعرف بـ "التزييف العميق"، أصبحت قادرة على إنتاج محتوى يصعب تمييزه عن الحقيقة، حيث يتم تركيب الوجوه، تغيير الأصوات، وإعادة خلق مشاهد غير موجودة أصلًا، لكن تبدو كأنها حقيقية بالكامل، ومع تطور هذه التقنية، ازدادت قدرتها على خداع المشاهد، حتى في تفاصيل تعبيرات الوجه و نبرة الصوت.
و رغم أن هذه التقنية تحمل إمكانات هائلة في مجالات الفن والإعلام والتعليم، إلا أن استخدامها في الاتجاه الخاطئ يطرح تحديات خطيرة، من أبرز هذه التحديات البعد الأخلاقي، إذ تُستخدم هذه الفيديوهات في التشهير، الابتزاز، و نشر معلومات مضللة، ما يخلق بيئة خصبة لفقدان الثقة وانهيار القيم. وفجأة، يمكن لفيديو زائف أن يدمّر سمعة إنسان، أو يشعل فتنة مجتمعية، أو يزرع بذور الكراهية.
الأسرة، التي طالما كانت الحصن الأول في وجه الانحرافات الأخلاقية، تجد نفسها اليوم أمام معركة مختلفة، معركة لا تُخاض بالأساليب التقليدية، بل تتطلب وعيًا رقميًا عاليًا، وقدرة على المواجهة النفسية والفكرية، إذ يمكن لطفل صغير أن يقع ضحية مقطع مزيف، أو أن يتأثر مراهق بمحتوى مزور، دون أن يدرك خطورته، لأن الشكل يوحي بالصدق، بينما المضمون مسموم.
في هذا السياق، تبدو الحاجة ملحة لإعادة بناء الوعي المجتمعي تجاه ما يُستهلك عبر الإنترنت، الإعلام والمدارس وحتى المساجد والكنائس، جميعها مطالبة بلعب دور في كشف أساليب التزييف، وتحصين العقول، وتربية الأجيال على التحقق لا التصديق الأعمى، فالثقة اليوم لم تعد تُمنح بسهولة، بل يجب أن تبنى على الوعي والتحليل.
القانون أيضًا له دور محوري في هذا المشهد، فراغ تشريعي في هذا المجال يعني ترك المجتمع مكشوفًا أمام أي إساءة رقمية قد تُرتكب بلا حساب. يجب سنّ قوانين واضحة تجرّم إنتاج أو نشر الفيديوهات المزيفة بهدف الإضرار بالآخرين، مع وجود آليات لملاحقة المتورطين.
وبينما نُدين الاستخدام السيئ للتقنية، لا يمكننا أن نغفل أهمية استثمارها في الاتجاه الصحيح، هناك برامج وتقنيات قادرة على اكتشاف التزييف، يجب دعمها وتطويرها، ليس فقط على المستوى العالمي، بل محليًا أيضًا، لتكون درعًا واقيًا في أيدينا.
إننا نعيش في عصر لم يعد فيه السؤال: "هل ما نراه حقيقي؟"، بل: "كيف نعرف الحقيقة وسط زيف مُتقن؟"، وهنا تتضح أهمية الوعي الفردي والجماعي، كخط دفاع أول في معركة غير متكافئة بين الواقع والاصطناع.
في نهاية المطاف، لن يُهزم المجتمع بالتكنولوجيا، بل بضعف وعيه بها، وإن لم نُحسن التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي، سنجد أنفسنا في عالم تختلط فيه الأكاذيب بالحقائق، وتُباع فيه السمعة والخصوصية لمن يدفع أكثر. المستقبل لم يُكتب بعد، لكنه حتمًا سيتشكل بأيدينا... أو يُسرق منا دون أن ندري.