18:10 | 23 يوليو 2019

لعبة إسقاط الديون وتوريط مصر: غزة في فخ المقايضة بقلم : أحمد عزيز الدين أحمد

2:51pm 21/08/25
صورة أرشيفية
أحمد عزيز الدين أحمد

في خضمّ الأزمة المتصاعدة حول غزة، خرج زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد باقتراح يثير الريبة والجدل معًا: أن تتكفّل مصر بإدارة قطاع غزة لفترة تتراوح بين 8 إلى 15 عامًا، مقابل إسقاط ديونها الخارجية التي بلغت نحو 155 مليار دولار.
للوهلة الأولى يبدو الطرح مغريًا؛ إذ يضع على الطاولة عرضًا اقتصاديًا ضخمًا لمصر، لكنه في العمق يكشف عن لعبة سياسية شديدة التعقيد، هدفها الحقيقي ليس دعم مصر ولا حلّ القضية الفلسطينية، بل التملص من مسؤولية الاحتلال وإلقاء العبء على كاهل القاهرة.
إسرائيل، التي عجزت عن السيطرة على غزة رغم ترسانتها العسكرية، تبحث عن بديل إداري يحقق لها الأمن على الحدود ويمنحها فرصة لإعادة صياغة المشهد من دون دفع ثمن سياسي. إسقاط الديون في هذا السياق ليس سوى ورقة تجميلية لإغراء مصر بقبول دور لا يتماشى مع ثوابتها الوطنية ولا مع التزاماتها التاريخية تجاه فلسطين.
الموقف المصري كان حاسمًا وقاطعًا بالرفض، إدراكًا منه أن مثل هذا المقترح ليس سوى محاولة لجرّ القاهرة إلى مستنقع لا خروج منه. فإدارة غزة، بما تحمله من تعقيدات إنسانية وسياسية وأمنية، قد تتحول إلى فخ يضع مصر في مواجهة مباشرة مع الشعب الفلسطيني ويمنح إسرائيل فرصة التنصل من مسؤولياتها الدولية، بينما تُختزل القضية في معادلة مالية باردة.
إن ما يُطرح اليوم ليس مجرد حل مؤقت، بل محاولة لإعادة تعريف القضية الفلسطينية من جديد، بحيث تصبح نزاعًا إداريًا يمكن بيعه وشراؤه عبر الصفقات. وهنا تكمن الخطورة: تحويل غزة إلى ملف مقايضة، ومصر إلى طرف متورط في مشروع يفرغ النضال الفلسطيني من مضمونه السياسي والحقوقي.
الدور المطلوب من مصر في هذه المرحلة هو تثبيت موقفها الرافض، وتكثيف تحركاتها الدبلوماسية عربياً ودولياً، من أجل إعادة توجيه الأنظار إلى جوهر القضية: إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. كما يتعين على القاهرة تعزيز التحالف العربي والإسلامي لمواجهة هذه الطروحات الملتوية، ورفض أي حلول تقزّم القضية إلى مجرد إدارة أزمة إنسانية.
إن مصر، بتاريخها وعمقها ودورها المحوري، أكبر من أن تدخل لعبة مقايضة الديون بالحقوق. فالقضية الفلسطينية ليست دينًا يُسقط ولا ورقة تفاوضية، بل هي مسألة وجودية تتعلق بأرض وهوية وحق لا يسقط بالتقادم.
 

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum