احمد عزيز الدين احمد يكتب :-رحلة العمر بين شروق الحياة وغروب الأبدية"

ما العمر إلا شمس تولد في الأفق، وتبدأ رحلتها عبر السماء حتى تستسلم للغروب. وما الإنسان إلا نهار يمضي بخطواته المتسارعة بين ضوء الفجر وسواد الليل. يولد كما يولد الصبح، طاهرًا، بريئًا، لا يعلم من الدنيا إلا دفء الأحضان التي احتوته، ولا يسمع إلا همسات الحنان التي تهدهده كنسيم الفجر الهادئ.
الفجر: الميلاد وبداية الخطى
عند أول شعاع للفجر، يبدأ الإنسان أول صرخاته، كما تفتح الأرض عينيها على نور اليوم الجديد. في تلك اللحظة، يكون العالم مجهولًا، كأن الكون كله محض أحلام لم تتجسد بعد. لا يعرف الطفل سوى حاجته الفطرية إلى الدفء، تمامًا كما تحتاج الأرض إلى قبلة الشمس لتستيقظ.
الصباح: الطفولة وتفتح الأحلام
يبدأ الضوء في الامتداد، والطفل يبدأ في اكتشاف العالم، يتلمس الأشياء كما تتلمس قطرات الندى أوراق الشجر. يزحف، ثم يقف، ثم يركض، مثل الشمس التي تصعد في السماء بلا خوف. الأحلام تنمو معه، والأماني تتسلق قلبه كضوء الشمس الذي يطرق النوافذ ليوقظ الأرواح الحالمة. كل شيء يبدو متاحًا، كل شيء يبدو مشرقًا، وكأن النهار لن يعرف الغروب أبدًا.
الظهر: الشباب ولهب الطموح
تبلغ الشمس ذروتها، كما يبلغ الإنسان قمة شبابه. تشتد الحياة، ويشتد الصراع، وتغدو الأحلام أكبر من أن يحتويها الواقع. تحت وهج الظهيرة، يبدو العالم كله ساحة سباق، حيث لا وقت للتوقف، ولا مجال للكسل. ينسى الإنسان حينها أن الشمس، مهما بلغت عظمتها، ستبدأ في الانحدار.
العصر: النضج وتأمل الحياة
ها هي الشمس تميل قليلًا نحو الغرب، وها هو الإنسان يدخل في مرحلة النضج. يهدأ اللهب الذي كان مشتعلًا في الصدر، ويبدأ العقل في رؤية الأشياء بمنظور أكثر اتزانًا. لم تعد الحياة مجرد سباق، بل رحلة تأمل. يدرك الإنسان أن ما كان يسعى إليه بجنون، قد لا يكون هو السعادة التي يبحث عنها. كما تدرك الشمس أنها لن تبقى في كبد السماء، وأن عليها أن تودع الكون قريبًا.
المغرب: الشيخوخة واقتراب الوداع
يهبط الضوء شيئًا فشيئًا، والظلال تطول، كأنها تجرّ العمر خلفها. تبدأ التجاعيد في رسم خريطة الذكريات على الوجه، كما يرسم الشفق لوحته الوداعية على الأفق. يعرف الإنسان أن الليل قادم، لكنه لا يزال يتشبث بآخر خيوط النور، كما يتمسك المسافر بآخر نظرة قبل أن يغيب عن مدينته. في هذه اللحظة، يفهم معنى الأشياء التي لم يفهمها في الصباح، ويقدر لحظات لم يكن يلقي لها بالًا حين كان النهار في أوجه.
العشاء: النهاية وسكون الأبدية
يأتي الليل ببطء، يغطي العالم بردائه، وتبدأ الأرواح بالاستعداد لرحلتها الأخيرة. ينام البشر، كما تنام الشمس خلف الأفق، ويخفت كل شيء. الموت ليس ظلامًا، بل امتداد للرحلة، كما أن الليل ليس نهاية النهار، بل بداية فجر جديد في مكان آخر.
وهكذا، ما العمر إلا يوم، يبدأ بالفجر وينتهي بالعتمة، لكن بين شروق الشمس وغروبها، هناك قصة تُروى، وأثر يُترك، وذكريات تبقى مضيئة، حتى حين يحل الليل.
لكن السؤال الذي يبقى معلقًا في الأفق: ماذا تركنا بين الشروق والغروب؟ هل كنا مجرد عابرين، كضوء يلمع للحظة ثم يختفي، أم أننا نقشنا أثرًا في الزمن، كالشمس التي تغيب لكنها تترك خلفها لونًا في الأفق يظل حيًا حتى بعد أن تودع السماء؟
ليست العبرة في عدد الساعات التي عشناها، بل في الضوء الذي منحناه للعالم قبل أن يأتي الليل.