وأَسْبَلَ الجُفْنُ

هَبَّتْ نسائمُها تُنادي في الرُّكامْ
تَحْكِي جراحَ الدارِ في زمنِ الظّلامْ
حَرَّكتْ في القلبِ أوجاعَ الرحيلْ
والشوقُ يهمسُ: "يا زمانُ، أَيَا سَلامْ"
كُلٌّ يَلْهو في الطفولةِ لم يَرَى
ما كنتُ أَلمَحُهُ بخافِقِنا الحِمامْ
ذكْرى جداتي تُنقّي قمحَنا
والدهرُ يخنقُها بصمتٍ كاللّجامْ
كَيْفَ الغيومُ تُصَبُّ في عيني سُكُونْ؟
والصَّوتُ مبحوحٌ، على صدرِ الغمامْ
قُدْسُ الكرامةِ ضاعتِ، فاسْتشهدتْ
قَبْلَ احتلالِ الحقدِ، أو قبلَ الزِّحامْ
والحُكْمُ... كَرْسِيُّ الدّعاوى غارقٌ
في شَجْبِهم، والدهرُ ليس له التئامْ
هم عُرُوشٌ، بل كُروشٌ نَهَمَتْ
مِن مالِ هذا الشعبِ في داءِ السَّقامْ
إنْ شئتَ نصرَ الحقِّ، لا تَخْشَ الطُّغاةْ
واشْحَذْ سيوفَكَ، فهيَ برْقٌ في الغَمامْ
جَدَّتْ بأقصى القهرِ: "يا ولدي أفقْ
إنَّ السكوتَ إذا دهاكَ هو الحِمامْ"
قلتُ: "العَلمْ، يا جدتي، فيكِ ارتقى
رغمَ السوادِ، يضيءُ في عيني السَّلامْ"
في قمعِهم، كانتْ سنابِلُنا دُعاةْ
لصمودِ خبزِكِ، يا جَديلَةَ الكرامْ
قدسُنا، ما زلتِ لي وطنَ الهوى
ما دام فينا نخوةٌ تهفو لِتامْ
فابتسمتْ لي جدتي، وتلفّظتْ:
"نَبْنِي الصغارَ.. ونرتجي خُبْزَ الدِّيارْ"
يوماً سيأتينا البيانُ من الرُّكامْ
ويعودُ قدسُكِ في انبثاقٍ من حِمامْ
وأَسْبَلَ الدَّمْعُ العيونَ، كأنَّهُ
قَمحٌ يُناجي في الحكايةِ من غَرَامْ
                                           --------------
حيرةُ النوارس
  _______
تاهتْ نوارسُ حلمي في مرافئها
ما بينَ بحرٍ يُناجي الصبحَ والظُلَمِ
رفّتْ على الأفقِ أجنحةٌ مُبلَّلةٌ
من ذاكراتِ العطشِ المصلوبِ في القممِ
قالتْ: أيا زورقَ الترحالِ، هل سكنتْ
موانئُ الشوقِ؟ أم ضاعتْ مع النغمِ؟
هذي المياهُ عيونٌ لا قرارَ لها
تُخفي الدموعَ، وتُغوي النورَ بالندمِ
ونحنُ نمضي كأن الريحَ تعرفنا
لكنها تُسقِطُ الآمالَ في العدمِ
فوقَ الشراعِ أنا والريحُ نحترقُ
ونستلذُّ احتراقَ الروحِ بالنغمِ
من أينَ جئنا؟ وإلى أينَ المسيرُ بنا؟
أواهُ، ما أضيقَ الدنيا على الحُلُمِ
نصحو، فننسى صدى الأمواجِ في دمنا
ونغفو، لنحيا على أوهامِ من نُهِمِ
فهل سنبلغُ شطآنًا تُنادينا؟
أم سوف نبقى أسارى البحرِ والصَّممِ؟