شخصية وعلامه مع نور سلامه صلاح جاهين: شاعر البهجة والوجع المصري الإثنين 21 أبريل، 2025
في الحادي والعشرين من أبريل عام 1986، فقدت مصر والعالم العربي قامة أدبية وفنية فريدة، هو الشاعر والرسام الكاريكاتيري صلاح جاهين. لم يكن جاهين مجرد كاتب كلمات أغنية أو رسام ساخر، بل كان ضمير جيل، وصوت البسطاء، وفنانًا استثنائيًا استطاع أن يمزج البهجة بالوجع، والضحكة بالدمعة، ليقدم لنا صورة حية ونابضة للواقع المصري والعربي.
ولد صلاح جاهين في القاهرة عام 1930، في حي شبرا العريق، ونشأ في بيئة مثقفة حيث كان والده مستشارًا قانونيًا. تخرج من كلية الفنون الجميلة، لكن شغفه بالكلمة والصورة سرعان ما غلب اهتمامه بالرسم التقليدي. بدأ مسيرته المهنية كرسام كاريكاتير في صحيفة "الأهرام"، وسرعان ما لفت الأنظار بأسلوبه الساخر الذكي الذي يعكس نبض الشارع المصري وقضاياه.
لكن شهرة صلاح جاهين الحقيقية انطلقت من خلال كلماته الشعرية العامية البسيطة العميقة. كتب جاهين مئات الأغاني التي أثرت الوجدان المصري والعربي، وتعاون مع كبار المطربين مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وشادية. أغانيه لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل كانت تعبر عن آمال الناس وأحلامهم وأفراحهم وأحزانهم. من منا ينسى "يا حبيبتي يا مصر"، و"صورة"، و"الليلة يا سمرا"، و"الليل يا أبو الليالي"؟ هذه الأغاني وغيرها تجسد عبقرية جاهين في التقاط روح الشعب وصياغتها في قوالب شعرية وموسيقية خالدة.
لم يقتصر إبداع صلاح جاهين على الأغنية، بل امتد ليشمل كتابة السيناريو والحوار للعديد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية الناجحة، مثل "خلي بالك من زوزو" و"أميرة حبي أنا" و"شفيقة ومتولي". كما كتب رباعيات صلاح جاهين الشهيرة، التي تميزت بعمق المعنى والسخرية اللاذعة والنظرة الفلسفية للحياة والسياسة والمجتمع. كانت رباعياته مرآة تعكس التحولات التي مرت بها مصر والعالم العربي بأسلوب فريد ومؤثر.
تميز أسلوب صلاح جاهين بالبساطة والصدق والقدرة على مخاطبة مختلف شرائح المجتمع. كان يكتب بالعامية المصرية بطلاقة وعفوية، لكن كلماته كانت تحمل في طياتها الكثير من الحكمة والرؤية. كان يرى الجمال في التفاصيل الصغيرة، ويعبر عن المشاعر الإنسانية الصادقة بصدق مؤثر.
عاش صلاح جاهين حياة مليئة بالإبداع والتألق، لكنه عانى أيضًا من فترات من الاكتئاب والوحدة. ورغم ذلك، ظل عطاؤه الفني مستمرًا حتى رحيله. لقد ترك صلاح جاهين إرثًا فنيًا غنيًا ومتنوعًا سيظل يلهم الأجيال القادمة. إنه شاعر البهجة الذي لم ينس أوجاع أمته، ورسام الكاريكاتير الذي كانت رسوماته أبلغ من ألف مقال، وفنان الشعب الذي سكن قلوب الملايين بصدق كلماته وعمق إحساسه. سيظل اسم صلاح جاهين محفورًا في ذاكرة الفن والثقافة المصرية والعربية كرمز للإبداع والصدق والقدرة على التعبير عن روح الشعب.
