لا تصدقوا كل ما يُقال!

في زمن طغت فيه الشاشات على العقول، وصارت الأصابع تكتب قبل أن تفكر، نعيش مرحلة خطرة من تاريخنا المجتمعي، حيث أصبحت الكلمة أخطر من الرصاصة، وأصبح المنشور أفتك من القنبلة.
صرنا نصدق كل ما يُنشر على منصات التواصل الاجتماعي، ونتعامل معه كأنه وحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، دون تحقق، دون رؤية، دون سماع، ودون شهود. وكأننا تخلينا عن عقولنا، وأغلقنا بصيرتنا، وسلمنا رقابنا لحسابات مجهولة، تتاجر بمشاعرنا وتلعب على أوتار الفتنة والانقسام.
لقد حذرنا ديننا الحنيف من نقل الأخبار دون تثبت، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا"، كما علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار.
ورغم ذلك، نعيش اليوم في عصر "المسخ الدجال"، حيث يُكذَّب الصادق، ويُصدَّق الكاذب، ونحارب بالكذب، ونُجرّح بالشائعة، وندمر البيوت بكلمة، ونقضي على السمعة بجملة، ونمارس العدوان من خلف الشاشات.
أفيقوا، يرحمكم الله!
استحيوا قبل أن تنشروا، تحققوا قبل أن تكتبوا، تفكروا قبل أن تشاركوا. فليس كل من قال "أنا مظلوم" صادق، وليس كل صامت ظالم، بل كثير من الظالمين يُحسنون تقمص دور الضحية.
أيها المواطن الشريف، أيها الإعلامي، أيها الصحفي، أيها الغيور على وطنه، لا تجعل من نفسك أداة هدم وأنت تظن أنك تبني. لا تكن ناقل فتنة، بل كن ناقل حقيقة.
وتذكروا جيدًا، أن القانون لا يحمي الجاهلين، وأن كل من يشارك في نشر اتهام أو مظلمة دون تحقق، يُمكن أن يكون عرضة للمساءلة القانونية والإنسانية، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولا عدل إلا بتحرّي الحقيقة، لا العاطفة.
ختامًا، رسالتنا اليوم أن تحروا الدقة في كل حرف، في كل كلمة، في كل منشور، فالعدل لا يُبنى على الشائعات، والخير لا يُنشر بالكذب.
استقيموا... يرحمكم الله.