"كلام الناس... لا يُقدّم ولا يُؤخّر"

في زماننا هذا، صار كلام الناس يُرهب البعض أكثر من الذنب، ويقيّد النفوس أكثر من القانون. تجد من يترك طريق الحق خشية النقد، ومن يُجامل على حساب قناعاته حتى لا يُقال عنه ما لا يُحب، ومن يُهمل تصحيح مساره خوفًا من تعليقات الناس وهمساتهم.
لكن الحقيقة الثابتة التي يغفل عنها الكثير هي أن كلام الناس لا يُقدّم ولا يُؤخّر، ما دام الإنسان على الحق، مستندًا إلى ضميرٍ يقظ، وشريعةٍ واضحة، وقانونٍ عادل.
أولًا: من منظور ديني
يقول الله عز وجل: "إن الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل" (آل عمران: 173).
هذا الموقف يعلّمنا أن كلام الناس لا يجب أن يُخيفنا إذا كنا على طريق مستقيم، بل يجب أن يعزز تمسكنا بالحق.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس" (رواه ابن حبان).
أي أن السعي لإرضاء الناس على حساب المبادئ والدين لا يؤدي إلا إلى سخط الله، وهو الأخطر.
ثانيًا: من منظور اجتماعي
المجتمع لا يرحم، وغالبًا ما يكون حكمه قاسيًا، يتبدّل بحسب المصالح أو الانطباعات. لذا فإن تصحيح المسار في حياتنا يجب أن ينبع من وعينا الذاتي، لا من خوفنا من النقد أو الإشاعة. الإنسان الواثق لا يُقيّد مصيره بلسان أحد، بل يُحسن الظن بربه، ويعمل بما يمليه عليه ضميره الحي.
ثالثًا: من منظور قانوني
القانون لا يعترف بكلام الناس، بل بالأدلة والبراهين.
فلا حكم يصدر لمجرد أن "الناس قالوا"، ولا عقوبة تُفرض بناءً على الشائعات.
لهذا، يجب أن نعلّم أبناءنا ومجتمعنا أن الحقوق تُسترد بالقانون، لا باللجوء للغوغاء أو الرأي العام.
الخلاصة:
لا تجعل كلام الناس ميزانك، ولا تُبطئ في إصلاح حالك خوفًا منهم، ولا تتنازل عن مبدأك لأجل رضاهم.
كن عبدًا لله، لا عبدًا للناس.
وتذكّر دائمًا:
كلام الناس لا يقدّم ولا يؤخر، أما أفعالك... فهي التي تصنع قدرك.