18:10 | 23 يوليو 2019

الحرية والديمقراطية لا تُباعان ولا تُشتريان

2:11pm 21/05/25
صورة أرشيفية
عالية محمد الشاعر

أيها القارئ النبيه المحترم ، في هذا المقال وردت عبارات ظاهرها السخرية ، وباطنها المرارة ، لعلَّ هذه السخرية تُخفف ولو بقدرٍ ضئيل عن ما نُكابده من إنفعالات وقعها ثقيل على الروح والقلب ، على الرغم من ثراء لغتنا التي تحفل بالبليغ الرائع من المفردات ، إلا أنه يُخال لي أنها لم تعد تستوعب الأحداث الجسام التي تمر بها منطقتنا والعالم بشكل عام ، لكن أعود لأُناقد نفسي وأقول : لو كانت إنجازاتنا على مستوى عبقرية لغتنا لأصبحنا أعظم أمة بين أمم الأرض .
كان سوق النخاسة عند العرب من أشهرها وأكثرها إزدهاراً ، وكانت حرية الفرد تُشترى بدراهم ، كلٌ حسب مقوماته ، الرجل بما يمتلكه من قوة جسمانية ، والمرأه كلما ازدادت محاسنها ومفاتنها وتظاهرها بالطاعة لسيدها إرتفع ثمنها .
في هذا الزمان الذي تسوده الحداثة تطل علينا أسواق فريدة من نوعها تضخمها الديناصوري وإبتلاعها الحيتاني يتناسب مع مآربها وتتم فيها صفقات ومقايضات على مصائر البعض من الشعوب التي مازالت تحت سيطرة الإحتلال الغير مباشر ، حسب ترتيبها في درجات سّلم الرأسمالية العالمية ، هذا مع الحرص على تحديد الأسعار بشفافية تمهيداً لفك أَسر هذه الشعوب من ربقة الجهل والتخلف ، في هذه الأسواق تُباع شتّى أصناف السلع ومنها الأفكار والمعتقدات ، ومن أحد تجلياتها السوشيال ميديا تحديداً الأخرق منها ، ولا ضير أن يختلط الصالح بالطالح ، والثمين بالغث ، وبما هبَّ ودبَّ من البراندات ، التريندات ، وآخر الصيحات  لتلبية جميع الرغبات والأهواء ، على سبيل المثال يرى البعض في إنعتاق المرء من إنتمائه لبيئته وولائه لبني جلدته حرية شخصية وحاجة نفسية ملحة ، وكزموبوليتية أي يعني ( أممية ) تُتيح للإنسان تخطي حدود الوطنية الضيقة للإنطلاق نحو أفق اللا وطنية الرحب تجنباً لإتهامه بالإنعزالية أو بالشوفينية بمعنى ( التعصب القومي ) ، وكذلك لتوسيع الحدقات للإنفتاح على العولمة المُغرية الجذّابة بكافة أشكالها ، وذلك إكراماً لعيون الغرب الزرقاء الطاردة للحسد والشر المُغدقة علينا بالنعم ، تطّيراً وسأماً من عيون العروبة السوداء الجالبة للغم والهم المُقاومة للإحتلال .
هذه السوق مُجهّزة بأحدث التقنيات وآخرها الذكاء الإصطناعي المُبهر لتبقى العصا السحرية في قبضة ( العم سام ) القادرة على تحويل التراب إلى ذهب برّاق بفضل وقع عصاه المصنوعة من العملة الرنانة التي يشّنف صداها آذان الأمصار ، مُبشّرةً بأن الفجر سينبلج مع وهج الدولار الذي سيسطع في سماء منطقتنا جالباً مع الدفء لأطرافنا الباردة من نقص تدفق الحرية والديمقراطية فيها ، والمُطمئن في الأمر أن الغبار سينقشع عن عيوننا الحزينة المتعبة بفضل نقاء لونه الأخضر القادر على تحويل صحارينا المقفرة القاحلة إلى واحات غنَّاء نستظل بفيئها من قيظ مشاعرنا الملتهبة سخطاً على سوء أوضاعنا ، وعندما تجود علينا العملة بكرمها الحاتمي ستُعدلّ أمزجتنا التي كما البورصة بين صعود وهبوط ومع كل هزة وخضةً تُعصر جيوبنا وتُستنزف مدخراتنا المتواضعة ، بالطبع أستثني من هذا الكلام المملكة العربية السعودية ودول الخليج كافةً التي يعيش مواطنيها والحمد لله حياةً رغيدة ، ويتمتع المقيمين فيها برفاهيةً نسبية لأنهم يُحولون الجزء الأكبر من مرتباتهم إلى أهلهم وأقاربهم المحتاجون في الخارج .
إن الحرية والديموقراطية لا يمكن أن يكون لهما سوق ولا يؤطران بمبالغ ومفهومها مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالكرامة والعدالة الإجتماعية ، وهما توأمان سياميان يمد أحدهما الآخر بالأُكسجين وإكسير الحياة ، وهما كالكائن الحي ينمو ويتطور بشكل إضطرادي ، ينضج ويتبلور مع كل مرحلة عمرية ، وبقدر ما نحسن رعايتة والتعامل معه بإلتزام وإحترام وأمانة يرد لنا الجميل منعكساً في ممارسات وسلوكيات آدمية حضارية ، ومن الصعب إستيراد وتصدير هذا الكائن الهلامي اللطيف الوسيم ذو الملامح الإغريقية ( فأباه الشرعي الفيلسوف اليوناني ديموقراطس ) إذ أنه يتشكل في ذواتنا بفعل تراكمي ويُنفخ في روعه بأفكار ، قيم ، عادات وأنماط معيشية تختلف بخصوصيتها وتفاصيلها من مجتمع لآخر ، وتبقى الحرية المنضبطة بقوانين وتشريعات هي المظلة الواقية للديموقراطية .
إن المعضلة الأساسية لبعض حكومات دول الغرب المركزية أنهم يعاملوننا كقاصرين بمعنى أنهم يُملون علينا ويضعون لنا الشروط لتقويم إعوجاجنا ، مع أنهم غير قادرين على فهم النفس البشرية التي لا يمكنها أن تُنجز مشاريعها النهضوية بالهبات من الأموال فقط ، على أهميتها ، ولا يجوز أن يغيب عن ذهن الدول المانحة وعلى رأسها الولايات الأمريكية المتحدة التي تُدير رأس العالم بدفتها أن من يشتري ديمقراطيته ويتبناها كمسمى لا غير أو كستار للتغطية على الأعمال القمعية ، هو كمن يبيع حريته سيقع في شباك التبعية للرأسمالية والإمبريالية العالمية وحليفتهم المدللة الكومبرادورية البرجوازية * وسيكون بالتالي عرضة للإبتزاز خاصة إن خرج عن الطاعة ، وللتذكير الفرق شاسع بين الشراكة القائمة على المصالح المتبادلة وبين التبعية المكّبلة بقيود ، ولا ننسى كيف أطاحت الكومبرادورية بنظام الحكم في تشيلي من خلال العسكر في أوائل السبعينيات من القرن الماضي ، وبالرغم من تهديدات الطغمة العسكرية للرئيس الراحل الطبيب سلفادور الليندي إلا أنه لم يأبه لتهديداتهم لأنه كان واثقاً أنه رئيس شرعي منتخب من شعبه وذهب بكل شجاعة إلى مكتبه لتأدية واجبه ، وعندما قصفوا القصر الرئاسي لم يفرّ ويهرب ، وعندما اقتحم الإنقلابيون القصر الجمهوري  وجدوه مُضّرجاً بدمائه في مكتبه قابضاً على سلاحه رغم أنه لم يقتل أحداً من مغتصبي السلطة ، إلا أنه أطلق النار في الهواء وبذلك أراد أن يوصل رسالته الأخيرة أنه بهذا الفعل أطلق النار على الطغيان والإستبداد.
إن السياسة والإقتصاد وكما يدرك الجميع يتنفسّان مع بعضهما ، ولا نغفل أن معظم الحروب كان هدفها أساساً إقتصادي من أجل سلب وإحتلال الأراضي ونهب الثروات ، أما الحديث عن خلاف الأديان أو بالأحرى حق إلهي لشعب على حساب شعب آخر كما يفعل الصهاينة المجرمين ما هو إلا ذريعة لتبرير أكبر لصوصية  في التاريخ ولإثارة وتأجيج الكراهية والحقد بين الناس وبالتالي يستسهلون القتل لبعضهم دون رحمةٍ وبلا هوادة ، على سبيل المثال عتاة المنظرين الصهاينة وأهمهم هرتزل وبن غوريون كانوا ضمنياً من الملاحدة ، وهل يمت اصلاً نتنياهو وزبانيته بأي صلة لوصايا موسى عليه السلام ؟؟!! الذي من بين ما تحرمه الظلم والقتل ، هنا لابد من التأكيد بأن كل المحاولات ستبوء بالفشل للذين يسعون إلى إفراغ القضية الفلسطينة من محتواها والنظر إليها وتناولها كمشكلة يمكن حلها بالإنفتاح الإقتصادي وضخ الأموال ، ولن يفلح الإحتلال الإسرائيلي الغاشم الذي يتطاول بل يدوس على التاريخ بغية إلغاء ومحو هوية شعب بأكمله ، لن يتمكن من ذلك مهما بلغ من الصلف والجبروت .
أيها القارئ العزيز ، لا يوجد من شك أن فئات المجتمع المدني الناشطة ، المنضوية ضمن هيئات ومؤسسات نزيهة لا يشوبها الفساد قادرة على تشكيل سايكولوجيا جماهيرية ببنية هيكلية قوية متماسكة مُوحَّدة في رؤيتها للتعامل بشفافية وحكمة مع المتغيرات والأحداث المتتالية ، فالتحديات التي تُحيق بمنطقتنا متشابكة ومركبة في الكثير من القضايا ، ومن بين المهام الملقاة على عاتقنا تجاوز العصبية القبلية ، ونبذ النزعات الطائفية المقيتة ، جَسر الهوة الواسعة بين الفقراء والأغنياء ، وتمكين الطبقة المتوسطة التي هي بمثابة الرافعة الضرورية لأي مجتمع يرنو للتطور والإزدهار ، هذه الطبقة أصبحت تعاني نتيجة إرتفاع الأسعار والغلاء الذي يُقرّح جلودنا بسياطه الموجعة ، كذلك وجَبَ علينا أن ندير ظهورنا للحزبية المتشّنجة التي تبيعنا بالشعارات أوهاماً لتحشيد عواطفنا دون طائل أو فائدة ، ونَكُفّ عن كيل الإتهامات لبعضنا بالعمالة والخيانة عشوائياً ، إذا تمكّنا من تجنيد طاقاتنا وتفعيل هذه الإستحقاقات ستُقبل علينا الوحدة العربية طواعيةً جاثيةً على ركبتيها إحتراماً لنا حينها ستتأكل قوة إسرائيل تدريجياً  دون الحاجة إلى الحشود العرمرم  من الجيوش سيما وأن الذكاء الإصطناعي أصبح له دور كبير في الحروب .
يا أهلنا في غزة المنكوبة والضفة الغربية المكلومة ، أنتم عقيدة الصبر والصمود 
يا من تتجرعون المآسي وتمضغون الآلام وتلعقون حرقة الفقدان ، ستبقى غزة غزتكم لأن الأوطان لا تغادر ولا ترحل عن جغرافيتها ، غزة بكم ومعكم أجمل من كل منتجعات العالم ، ستعمرونها من جديد بأنفاسكم الطيبة وأياديكم المباركة الطاهرة ، وياضفتنا الغربية الموغلة في شرقيتها وعروبتها ، يا حاضنة الأديان في قدسك الشريف وبيت لحم المقدسة ، لن ينال من عزتك قطعان المستوطنين ومنهم من يسمون أنفسهم( فتيان التلال ) الذين هم قمة في الوحشية والإجرام يعيثون خراباً ، دماراً حرقاً في بلداتك وقراك .
يا شعبنا الأبي أيها المرابطون في فلسطين التي أضنانا الشوق إليها وطال عنها البعاد ، أنتم ورثة الأرض منذ بدء الخليقة وحتى قيام الساعة ، إن ثباتكم على أرضكم وجهادكم اليومي في سبيل الحياة لا يقل صعوبة ومشقة عن الجهاد في سبيل الله ( عز وجل ) نحن مكلفون بكليهما وأحدهما لا يتناقض ولا يلغي الآخر .
يبقى لليمن الأصيل ، النبيل ، قاهر الغزاة على مر العصور مكانة خاصة ومميزة ومايجري هناك من قصف وتدمير للموانئ والمنشآت الحيوية يُدمي قلوب كل العرب . يا أهلنا الأعزاء في يَمن̊ الميامين ، لن تدوم العربدة الإسرائيلية الهمجية ، وإذا كان للباطل جولة فاللحق جولات ، الفرج قادم وستنزاح الغمة قريباً بإذن الله ( جل في علاه ) . والسلام على من اتبع الهدى وسبيل الرشاد .

* الكومبرادورية البرجوازية : هي الفئة العليا التي تضم التجار الوسطاء أصحاب المصارف وقسم من البرجوازية الصناعية الكبيرة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالرأسماليين الأجانب والإقطاعيين المحليين .... إلخ  

تابعنا على فيسبوك

. .
izmit escort batum escort
bodrum escort
paykasa bozum
gazianteplie.com izmir escort
18 film izle erotik film izle
deutsch porn