18:10 | 23 يوليو 2019

عقل الدولة المصرية من الغريزة البيروقراطية إلى الوعي الرقمي السيادي

10:59pm 05/09/25
صوره ارشيفيه
عصران الراوي

في مسار نشوء الدول وتطورها يظل مفهوم العقل الجمعي المؤسسي أحد أهم شروط انتقال السلطة من طورها الغريزي إلى مستوى أكثر تعقيدا الدولة الواعية بذاتها المدركة لمصالحها القادرة على التخطيط الاستراتيجي عبر أدوات متماسكة ومتزامنة

 

ولأن الدولة كما عرفها هوبز هي كيان عاقل يتحكم في غرائز الناس فإن أخطر ما يواجه أي دولة في العصر الرقمي ليس نقص السلاح أو الموارد بل غياب العقل المركزي الذي يدير تعدد المؤسسات ويربط بين مراكز القرار ويمنع الازدواج والتناقض والفوضى الإدارية

 

بين مفهوم العقل السياسي وعقل الدولة الرقمي

 

يجب التفرقة بداية بين العقل السياسي للدولة وهو البوصلة التي تحدد انحيازاتها وأهدافها الكبرى وبين عقل الدولة المؤسسي الذي تصاغ من خلاله آليات تنفيذ تلك الأهداف وفي هذه المرحلة التاريخية الدقيقة يحسب للرئيس عبد الفتاح السيسي أنه لم ينشغل فقط بإصلاح البنية التحتية للدولة بل ذهب أعمق من ذلك إلى إعادة بناء بنيتها العقلية والإدارية والتكنولوجية عبر إطلاق مشروع عقل الدولة المصرية كأحد أهم أركان مشروعه الأوسع الجمهورية الجديدة

 

الدولة الشبكية مصر تلحق بالعصر

 

في نماذج الدولة الحديثة بدأت بعض الحكومات تتخلى عن مركزية السلطة التقليدية لصالح مركزية البيانات والقرار الرقمي وهو ما نراه في تجارب مثل إستونيا وسنغافورة أما في الحالة المصرية فقد اتخذ الرئيس السيسي قرارا جريئا واستباقيا بأن تدار الدولة بمنطق المنصة الواحدة والقرار الواعي والدولة التي ترى نفسها لحظة بلحظة فكانت العاصمة الإدارية الجديدة ليست فقط مباني بل مركز تشغيل عقل الدولة بكل مؤسساته

 

من التبعية الرقمية إلى الاستقلال السيادي

 

حين تمتلك مصر بنيتها السيبرانية ومراكز بياناتها السيادية فإنها تتحرر من النفوذ غير المباشر لشركات التكنولوجيا العالمية التي أصبحت تمارس نوعا من الاستعمار المعلوماتي الناعم وهنا تتجلى رؤية الرئيس السيسي بوضوح أن تكون لمصر قاعدة معرفية سيادية وذاكرة رقمية قومية وشبكة إدارة ذاتية للقرار والمعلومة بما يجعلها مستقلة بالفعل لا شكلا فقط

 

عقل لا يمكن استهدافه بالقنابل

 

وهنا تكمن عبقرية هذا المشروع الوطني فعقل الدولة المصرية لا يمكن استهدافه بالطائرات أو القنابل لأنه عقل موزع مشفر محصن رقميا غير مرئي تقليديا إن تهديده لا يتم إلا بمحاولة اختراق أو تضليل أو إرباك بيانات وهي محاولات تواجهها الدولة بمنظومة أمن سيبراني عالية التدريب والتأمين لتكون مصر بين القلة التي تملك حصانة رقمية حقيقية لقراراتها ومصالحها العليا

 

منطق الذاكرة المؤسسية نحن لا ننسى

 

من أبرز ما سعى إليه مشروع عقل الدولة كما أراده الرئيس هو كسر النمط البيروقراطي التقليدي وخلق حالة من التراكم المعرفي داخل الجهاز الإداري فالدولة التي تتذكر وتربط بين مؤسساتها وتمنع تكرار الخطأ هي دولة تدخل فعلا في عصر الحداثة السيادية

 

خاتمة حين يفكر الرئيس بعقل الدولة

 

في دول كثيرة يفكر الرئيس بلغة السياسة اليومية ويترك أمر التكنولوجيا والإدارة للمستشارين لكن في مصر اختار الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يؤسس لدولة تفكر وتدير ذاتها وتتوقع مخاطرها وتنتصر بعقلها قبل قوتها فعقل الدولة المصرية ليس فقط مشروع بيانات بل هو إعادة اختراع الدولة من جديد دولة أكثر وعيا بذاتها وأكثر سيطرة على مصيرها وأكثر قدرة على مواكبة عالم لا يرحم من يتأخر .

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum