18:10 | 23 يوليو 2019

الأنا بين الظاهر والمخفي

9:43pm 09/09/25
آية ياسين

الإنسان مثل البحر، ما نراه على السطح ليس سوى جزء ضئيل مما يخبئه العمق. على السطح أمواج هادئة أو عاتية، أما في الأعماق فهناك أسرار، تيارات خفية، وكائنات لا تراها العيون. هكذا هي الأنا؛ نصفها ظاهر للناس، ونصفها الآخر غارق في صمت داخلي لا يعرفه سوانا.

 

في الحياة اليومية نُجبر على ارتداء أقنعة شتى. الموظف الذي يلوّح بابتسامة صباحية يخفي قلقاً يثقل صدره. الأم التي تروي لأطفالها حكايات النوم بوجه هادئ، تُخفي وراء ابتسامتها دمعة لم تجد مكانها. الطالب الذي يضحك مع أصدقائه في الفسحة، يضع بين ضلوعه خوفاً من مستقبل غامض.

 

الأنا الظاهرة أشبه بمسرح نعرض فيه دورنا أمام الجمهور، بينما الأنا المخفية هي الكواليس التي لا يراها أحد. هناك، خلف الستار، تختبئ مخاوفنا، أحلامنا المؤجلة، وصرخات لم تخرج بعد.

 

لكن ليست الأنا المخفية مظلمة دائماً؛ أحياناً تخبئ بداخلها بذور الإبداع. كم من شاعر يبدع أبياته في صمت، ولا يجرؤ أن يُظهرها خوفاً من سخرية؟ وكم من امرأة تحمل في داخلها موهبة الرسم أو الغناء، لكنها تخفيها تحت ثقل الواجبات والقيود؟ الأنا المخفية ليست ضعفاً فقط، بل كنز من الإمكانيات ينتظر لحظة الانطلاق.

 

والتناقض بين الأنا الظاهرة والمخفية هو ما يصنع إنسانيتنا. فالقوة التي نُظهرها للعالم تستمد جذورها من ضعف نخفيه، والابتسامة التي نرسمها على وجوهنا تزداد بريقاً حين نعرف كم من الدموع خلفها. نحن كالكواكب؛ نُظهر جانباً مضيئاً للشمس، بينما يظل الوجه الآخر غارقاً في الظل.

 

الخاتمة:

الأنا بين الظاهر والمخفي ليست صراعاً يجب أن ينتهي، بل توازن يجب أن نعيشه. نحن لسنا قناعاً ثابتاً ولا حقيقة واحدة، بل كائنات من الضوء والظل، من الصخب والصمت. في الظاهر نعيش مع الآخرين، وفي المخفي نعيش مع أنفسنا.

 

وربما، أجمل ما في الإنسان أنه لا يُكشف كاملاً أبداً. أن يبقى داخله سرّ صغير، حلم مخبأ، جرح قديم، أو طيف أمل لا يعرفه أحد. فهنا، في هذه المسافة الغامضة بين ما نُظهر وما نُخفي، تكمن حقيقة الإنسان، وجماله، وفرادته التي لا تُكرر.

 

---

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum