نصر أكتوبر.. معجزة العبور التي غيّرت وجه التاريخ
في مثل هذه الأيام، منذ اثنين وخمسين عامًا، سطّر الجيش المصري واحدة من أعظم الملاحم العسكرية في التاريخ الحديث، حين تمكّن في السادس من أكتوبر عام 1973 من تحطيم أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، واستعادة الكرامة الوطنية بعد سنوات من الاحتلال والانكسار.
في تمام الساعة الثانية ظهرًا، وتحت صيحات "الله أكبر"، انطلقت أكثر من 220 طائرة مصرية في ضربة جوية مفاجئة، تبعتها مدفعية عنيفة وموجات من جنود المشاة الذين عبروا قناة السويس على القوارب الخشبية البسيطة، واقتحموا حصون خط بارليف المنيع. تلك اللحظة لم تكن مجرد عبور مائي، بل كانت عبورًا إلى صفحات المجد، وإعلانًا عن ولادة روح جديدة في الجسد العربي.
بعد هزيمة يونيو 1967، لم يكن الطريق سهلًا نحو النصر. خاضت مصر حرب الاستنزاف، وأعادت بناء جيشها على أسس حديثة، بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات، الذي اتخذ قرار الحرب بكل شجاعة رغم الضغوط الدولية الهائلة، واضعًا ثقته في رجال القوات المسلحة، وفي عزيمة شعب لا يقبل بالهزيمة.
كان التنسيق العربي-العسكري بين مصر وسوريا أحد أبرز سمات الحرب، حيث شنّت القوات السورية هجومًا متزامنًا على جبهة الجولان، ما أربك القوات الإسرائيلية وأفقدها القدرة على التركيز على جبهة واحدة.
لم يكن انتصار أكتوبر مجرد إنجاز عسكري، بل أعاد رسم خريطة النفوذ السياسي في المنطقة، وأثبت أن الإرادة العربية قادرة على فرض شروطها. كما فتح الباب أمام مفاوضات السلام لاحقًا، وأجبر إسرائيل على الاعتراف بقدرة العرب على المواجهة والانتصار.
وقد أذهلت التكتيكات العسكرية المصرية خبراء العالم، حيث اعتبر عدد من المحللين أن عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف في غضون ساعات، كان "معجزة عسكرية" غير مسبوقة.
اليوم، بعد مرور أكثر من خمسة عقود على تلك الحرب المجيدة، لا تزال انتصارات أكتوبر رمزًا للكرامة الوطنية والوحدة العربية. وتحيي مصر هذا اليوم في احتفالات رسمية وشعبية، تتضمن عروضًا عسكرية، وتكريمًا لأبطال الحرب، وتذكيرًا للأجيال الجديدة بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بالتضحيات.
انتصار أكتوبر ليس مجرد ذكرى عابرة، بل هو درس خالد في الشجاعة، والتخطيط، والوطنية. وسيظل السادس من أكتوبر محفورًا في ذاكرة الوطن، وشاهدًا على قدرة المصريين على تحقيق المستحيل متى توحّدوا خلف هدفهم.



















