النسوية الراديكالية والجندرية: أي مستقبل للمرأة المسلمة

في زمن باتت فيه المصطلحات تصوغ العقول أكثر مما تصوغ السياسات، تبرز مفاهيم مثل "النسوية الراديكالية" و"الجندرية" كحصان طروادة يُدفع به إلى عمق المجتمعات الإسلامية والعربية تحت عباءة "حقوق المرأة والمساواة"، بينما تخفي خلفها مشاريع تغريبية تفتك بثوابت الأمة وقيمها.
1. النسوية الراديكالية: من التحرر إلى التمرد
النسوية الراديكالية ليست حركة لتحرير المرأة، بل حركة تمرد على الفطرة. تؤسس هذه الأيديولوجيا على الصراع بين الجنسين لا التكامل، وتقوم على اعتبار الأسرة مؤسسة قمعية، والأمومة عبودية حديثة. وقد وصلت هذه الحركة إلى ذروتها في الغرب، حيث صارت تطالب بإلغاء الأدوار البيولوجية، وإعادة تعريف الأنثى والذكر وفق الهوى والهوية النفسية، لا الجسد والخلقة.
2. الجندرية: إعادة تشكيل الإنسان
مفهوم "الجندر" تجاوز مجرد الدعوة إلى المساواة، ليصبح أداة لتفكيك الهوية الجنسية، وإلغاء الفروق بين الذكر والأنثى. إنه مشروع لإعادة تشكيل الإنسان وفق نماذج غربية ما بعد الحداثة، حيث يصبح "النوع الاجتماعي" خيارًا شخصيًا لا حقيقة بيولوجية. وهذا المفهوم بات يتسلل إلى المناهج التعليمية والإعلام والسياسات العامة في الدول التي رضخت للاتفاقيات الدولية.
3. الاتفاقيات الدولية: فخ الحقوق المسيسة
تُعد اتفاقيات مثل "سيداو" و"بكين" و"إستانبول" بمثابة مطايا سياسية لاختراق النظم القيمية للدول الإسلامية. ورغم ما تحمله من شعارات براقة عن تمكين المرأة، فإنها في جوهرها تسعى إلى فرض أجندات غربية تشمل:
إلغاء الولاية الشرعية للأب أو الزوج.
إباحة العلاقات خارج إطار الزواج.
الاعتراف بالتحول الجنسي والهويات المائعة.
تقليص دور الأسرة لصالح الفرد المتحرر من القيود الأخلاقية والدينية.
4. التأثير على العالم الإسلامي: من التوقيع إلى التفكيك
عندما وقّعت بعض الدول العربية والإسلامية على هذه الاتفاقيات، فعلت ذلك غالبًا تحت ضغط دولي واقتصادي. لكن ما لم تحسب حسابه أن هذا التوقيع فتح الباب أمام:
تغيير المناهج الدراسية: حيث تسللت مفاهيم الجندر والمساواة المطلقة في أدوار الجنسين إلى كتب الأطفال والمراهقين.
إعادة تشكيل الإعلام: عبر تمجيد صور المرأة المتحررة من الدين والأسرة، والترويج للنسوية على أنها الطريق الوحيد لكرامة المرأة.
سنّ قوانين تتعارض مع الشريعة: من مثل رفع سن الزواج، أو منع تعدد الزوجات، أو حماية "الحقوق الجندرية".
5. المرأة المسلمة في مرمى الاستهداف
المرأة المسلمة هي الهدف الأول لهذه الحملات، لأنها تمثل الحصن الأخير لهوية الأمة. إنهم لا يريدون حريتها، بل تفكيكها. فهم يدركون أن في تمسكها بدينها، وأسرتها، وأدوارها الفطرية، مقاومة عميقة لكل مشاريعهم.
لقد دفعت المرأة الغربية ثمناً باهظًا نتيجة هذه الحركات؛ وحدة، اكتئاب، عزوف عن الزواج، وتراجع في معدلات الإنجاب. والآن، يريدون تصدير النموذج ذاته إلينا، بإخراج المرأة من بيتها لا لتُكرم بل لتُستَغل.
6. معركة الهوية: مناهج، إعلام، وقوانين
المعركة اليوم لم تعد مجرد كلمات. إنها معركة هوية تتجسد في:
المدارس: حيث يُزرع في الأطفال أن "النوع" مجرد شعور، لا حقيقة.
الشاشات: حيث يُصور الرجل الشرقي متسلطًا، والمرأة المتدينة متخلفة.
البرلمانات: حيث تُسَنّ قوانين تتناقض مع الفطرة والشرع تحت مظلة "حقوق الإنسان".
7. ماذا بعد؟
لابد من نهضة فكرية ودعوية وإعلامية وتربوية تعيد التوازن، لا بإقصاء الآخر بل بوعي الذات. يجب أن نكشف هذه المؤامرات بأسلوب علمي رصين، ونقدم نموذج المرأة المسلمة القوية، الواعية، المتعلمة، المتمسكة بثوابتها.
كما يجب أن تُراجع الدول الإسلامية توقيعها على الاتفاقيات الدولية المشبوهة، وتُشترط التحفظات على بنودها بما ينسجم مع الشريعة الإسلامية، لا أن تُلغى هويتنا مقابل دعمٍ أو تقارير دولية.
الخاتمة:
المرأة المسلمة لا تحتاج لمن يُحررها، فهي في الإسلام عزيزة. بل تحتاج إلى من يحميها من محاولات تغريبها، وتذويبها في أنماط حياة لم تجلب للمرأة الغربية إلا الألم. إنها ليست ضحية بل درع، وهي اليوم في خط النار. فإما أن تصون الأمة هويتها، أو تُستلب على يد شعارات مصقولة... تخفي خلفها خناجر مغمّسة بالسموم