التعليم ليس ساحة تجارب… بل بناء أمة

فى كل دول العالم… التعليم هو الحصن الأول وهو الاستثمار الأذكى فى مستقبل الشعوب.
لكن فى واقعنا المصرى… يبدو أن التعليم أصبح ضيفا فى وطنه لا سيدا كما ينبغى.قرارات تصدر منها ما هو صائب ومنها ما هو غير صائب وعلى الجميع التنفيذ والضحية واحدة: الطالب والمعلم. فاين ما تم التخطيط له سابقا ليس عيباً أن تخطئ ... ولكن العيب أن تستمر فى الخطأ .قرارات تصدر فجأة تعليمات توزع كل يوم تجارب تتغير كل عام ولا أحد ينتظر النتائج.
كأننا فى حالة إعجاب مرضى بالتجريب نغير الجلد قبل أن نشفى من الجراح.المعلم الذى يحمل على عاتقه رسالة الأنبياء أصبح متهمًا بالتقصير وبالتهديد والتحويل للتحقيق وخلافة إن لم يلتزم بخط زمنى… وورقى… وإلكترونى!
يتلقى آلاف التعليمات ويحاسب على التأخير بينما راتبه بالكاد يملأ حقيبة صغيرة فى أول الشهر.
أتعرفون دخل المعلم؟
هل جرب أحدكم أن يضع قدميه مكانه ليعرف كم يصمد فى هذا الواقع؟
معلم يعيش تحت ضغط اقتصادى خانق يطلب منه التطوير الذاتى والمهنية الكاملة والانضباط الشديد بينما راتبه لا يكفى مواصلاته ولا يضمن له كرامته أمام أولاده.
أين الخطط؟
وأين التقدير؟
كل يوم يسأل عن نسب الإنجاز دون أن يسأل: هل وجدت وقتا لتنجز؟
هل وجدت بيئة تدعمك؟
المدير لم يعد قائدًا تربويا بل موظفًا مشغولًا بإعداد ملفات وسجلات لا يعرف الراحة ولا يمنح الدعم فقط يحاسب ويراقب.أما الطالب… فقد أصبح رهينة بين المنصات والمذكرات والاستنزاف الحقيقى للاسرة وما بين السطور يفهم يسمع عن التطوير لكنه لا يراه… يعيش فى واقع يحرم عليه الفهم ويطالبه بالحفظ والتلقين.وإن لم تكف كل هذه الضغوط… جاء ولى الأمر – إلا من رحم ربى – لا ليشارك فى بناء المدرسة بل ليحمل سيف الاتهام فى وجه المعلم.لم يعد يقدّر رسالة التعليم بل صار يرى أن الشكوى في قسم الشرطة والنيابة هى أول وسيلة لحل أى خلاف يتناسى أن المعلم بشر وأن الكرامة حق وأن التربية مسؤولية الأسرة قبل المدرسة.
وهكذا… بدل أن نواجه تحديات الجهل والعنف والتسرب أصبح المعلم يواجه تهمًا وبلاغات وكأن التعليم بات ميدانًا للخصومات لا للبناء.
الغرف المغلقة تملأها أحاديث الولاء قبل الكفاءة… وتُدار فيها ملفات الترقى والقيادة بما يعرفه الجميع ويخشون البوح به.
تهمّش الخبرات وتقصى العقول ويمنح القرار لمن لا يعرف الميدان.
التوجيه الفنى؟
فى كثير من الحالات أصبح شكليا والحكم فيه لا يرتبط بأداء بل بأسماء.والحوكمة تذكر فقط فى الأزمات… والمتابعة أصبحت تسأل عن اللافتات لا الفهم.
نحن لا نحارب التغيير… لكننا نرفض العشوائية.
لا نرفض التطوير… لكننا نحتاج تخطيطا حقيقيا واحترامًا للعقل وكرامة للمعلم.كفى عبثا… كفى قرارات من وراء مكاتب مغلقة لا تعرف حرارة الفصل ولا ألم المعلم ولا أنين الطالب.
أصبح التركيز مفرطا على الشكل الإدارى للمنظومة التعليمية وما فيها من مطالب إدارية
وكأن المنهجية التربوية أصبحت على الهامش.
فى مواقع كثيرة نشهد ترشيحات لمناصب قيادية لا تنطلق من الكفاءة بل من اعتبارات أخرى لا يعلمها إلا الله. نرى من هم أقل علمًا أو خبرة يتصدرون المشهد، بينما أصحاب الكفاءة يتراجعون إلى الصفوف الخلفية. وهذه المعضلة لا تقتصر على موقع دون آخر، بل باتت صورة تتكرر على مستوى الموجهين والقيادات الوسيطة وحتى العليا.
إننا لا نطالب بالكمال بل بالعدالة. لا نطلب إلا أن تمنح الكلمة لأهل الميدان أن يُصغى لتجربتهم أن يُبنى القرار على قراءة واعية للواقع. فالتعليم ليس ساحة تجارب، بل بناء أمة.
ولأننا مسؤولون عن تنفيذ ما يطلب يبقى فى القلب غصة أن نكون شهودا على أزمة لا نملك وحدنا أدوات حلها.
فالمعلم يبحث عن من يُقيم أداءه بإنصاف لا من يلقي عليه اللوم.
فالمدير ينتظر من يُسانده لا من يُراقبه فقط.فالطالب يحتاج من يرشده لا من يحفظ له رقمًا فى تقرير أو نسبة نجاح.التعليم لا يدار بالأوراق فقط ولا يقاس بنجاح الامتحان.
بل هو بناء وطنى ومشروع نهضوى يحتاج تخطيطًا طويل الأمد، وقيادات ميدانية وتقديرا حقيقيًا لأهل الكفاءة.
التعليم نور… لا تقتلوه بظلام العشوائية.
التعليم بناء… لا تهدموه بحفلات التجريب.
التعليم مستقبل… فإما أن نحميه… أو نتحمل مسؤولية ضياعه