حياء الأم... سياج التربية وصمام الأخلاق

في عالمٍ طغت فيه المكاشفة على الخصوصية، وتكسرت فيه الكثير من الحواجز الأخلاقية داخل البيوت، تظل بعض القيم الأصيلة خطوطًا حمراء لا يجوز تخطيها، وعلى رأسها: الستر داخل البيت، خصوصًا بين الأم وأبنائها.
إن المرأة التي تتهاون في ستر جسدها أمام أبنائها، سواء كانوا أطفالًا، أو في عمر المراهقة، أو حتى شبابًا، تظن أحيانًا أن تصرفها "عفوي" أو "بريء"، لكنها في الحقيقة تُحدث خللًا نفسيًا وتربويًا عميقًا.
إنها تنزع الحياء من قلوبهم رويدًا رويدًا، وتضعف فطرتهم، وتشوش تصورهم الصحيح للعلاقات، وتكسر الحاجز الأخلاقي الذي يفصل بين الاحترام والانتهاك.
الستر ليس واجبًا فقط أمام الغرباء، بل هو ثقافة تنشأ من البيت، تبدأ من الأم، لأنها المعلمة الأولى، والمربية الصامتة التي تزرع القيم في النفوس دون أن تنطق بكلمة.
ستر الجسد أمام الأبناء هو رسالة ضمنية تقول: "لجسد الإنسان حرمة، وللحياء منزلة، وللخصوصية قدسية".
إن الأم التي تستحي أمام أبنائها، تزرع فيهم احترام النساء، وتغرس في بناتها الشعور بالقيمة، وتؤسس لمجتمع يحترم الحرمات ويصون الأخلاق.
الأدلة الشرعية
أولًا: من القرآن الكريم
قال الله تعالى:
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...} [النور: 31]
أمرٌ إلهي بحفظ العورة، وهو أمر عام يشمل حتى داخل البيت.
وقال تعالى:
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف: 26]
تأكيد أن اللباس سترٌ وفطرة، وأن كشف العورة ضد الطبيعة الإنسانية السليمة.
ثانيًا: من السنة النبوية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«الحياء لا يأتي إلا بخير» [متفق عليه].
وقال:
«استحيوا من الله حق الحياء» [رواه الترمذي]
ثم بيّن أن من الحياء: حفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، والتفكر في الموت والبِلى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«فالله أحق أن يُستحيا منه» [رواه الترمذي].
ثالثًا: الإجماع
أجمع العلماء على أن ستر العورة واجب، وأنه لا يجوز كشفها إلا لحاجة معتبرة. واتفقوا على أن تعويد الأبناء على رؤية العورات يفسد فطرتهم، ويكسر الحياء، ويضعف الرقابة الذاتية.
رابعًا: القياس
إذا كان الإسلام قد شرع الاستئذان للأطفال في دخول غرف الوالدين في أوقات معينة (كما في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ...} [النور: 58])،
فكيف إذا كان الأطفال يرون الجسد بلا حرج ولا استئذان؟
القياس هنا يُثبت وجوب الحذر والستر.
رسالة إلى المجتمع:
يا كل أمّ:
حياؤكِ ليس ضعفًا، بل قوة.
وستركِ لجسدك أمام أبنائكِ ليس تزمتًا، بل هو تربية صامتة.
في بيت الحياء تُصنع الرجولة، وتولد الكرامة، وتنمو الفطرة السليمة.
فليكن بيتكِ مدرسة في الحياء…
ولا تنسي أن أول ما ينكسر في نفوس الأبناء هو ما رأوه دون أن يفهموه.