"الرزق بيد الله... فهل نؤمن حقًا بذلك؟"

في زمن كثرت فيه الأحقاد، وتفاقمت فيه الغيرة، وامتلأت القلوب بالغل والحسد، نحتاج إلى وقفة مع أنفسنا، نراجع فيها قلوبنا قبل أقوالنا وأفعالنا، ونتأمل في رسالة عظيمة يرسلها لنا الإسلام كل يوم، لكننا للأسف نتجاهلها أو نغفل عنها: "الرزق من عند الله".
رسالة اليوم ليست رسالة واحدة، بل هي رسائل متعددة:
رسالة حب الخير للغير: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (رواه البخاري ومسلم). فالإيمان الصادق لا يكتمل إلا إذا امتلأ القلب بحب الخير للناس، لا بالحسد لهم.
رسالة الدعاء للغير: هل تعلم أن الملَك يقول "ولك بمثل" عندما تدعو لأخيك؟ فحين تتمنى لغيرك رزقًا أو شفاءً أو سعادة، فإنك تضمن لنفسك مثل ما دعوت.
رسالة التوكل على الله: كثير منا يتظاهر بالإيمان، لكنه في أعماقه يشك أن الرزق من عند الله، فيحسد ويكيد ويظلم، وكأنما بيده مفاتيح الغيب! قال تعالى:
"وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" [الذاريات: 22]
وقال سبحانه:
"قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ" [سبأ: 36].
رسالة الإيمان بأن الأرزاق مقدرة: في الحديث الشريف: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب..." (رواه ابن ماجه).
فلماذا نحسد بعضنا؟ لماذا نغار من رزق غيرنا؟ هل نكذّب القرآن؟ هل نشك في عدل الله؟
إن الحسد داء قديم، بدأ من إبليس حين حسد آدم، واستمر في قلوب ضعيفة الإيمان، قلوب لم تدرك أن الحسد لا يغيّر من قدر الله شيئًا، لكنه يفسد القلب، ويمحق البركة، ويُحبط العمل.
إلى أصحاب القلوب المريضة، هذه رسالتي لكم اليوم:
تطهّروا من الحقد، فإن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم.
تذكّروا أن رزق غيركم لن يُنقص من رزقكم شيئًا.
سلوا الله من فضله، وأحسنوا الظن بربكم، واسعوا في الخير، وادعوا لغيركم، فيصلكم الخير مضاعفًا.
ختامًا...
نحن أمة أُمرت بالإحسان، لا بالحسد. أُمرت بالتوكل، لا بالريبة. أُمرت بالسلام، لا بالنفاق. فعودوا إلى القرآن، وتأملوا في قوله تعالى:
"وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا" [هود: 6]
فهل بعد هذا الشمول والوضوح، يشكّ أحد في أن الخير والرزق بيد الله وحده؟
فلنراجع قلوبنا... فالرزق بيد الله، والحسد لا يغير شيئًا سوى أنه يُفسد صاحبه.