السر وراء تسمية حارة اليهود بهذا الاسم

كان اليهود المصريون والطائفة اليهودية التي استقرت في مصر واحدة من أكبر الطوائف اليهودية في العالم العربي وأكثرها ثراءً بسبب نشاطهم في التجارة. وقد شارك اليهود المصريون في شتى المجالات والأعمال بالمجتمع، حيث امتلك عدد كبير منهم محالاً لبيع الذهب في منطقة الصاغة.

تعددت الآراء حول سبب تسمية "حارة اليهود" بهذا الاسم. رأى البعض أن السلطات فرضت على اليهود السكن في هذه المنطقة المحددة، بينما تميل الرواية الأكثر احتمالاً إلى أن اليهود أنفسهم اختاروا التجمع في مكان واحد لتمكينهم من ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية، والتي كانت تتطلب الاجتماع الجماعي كالصلاة في المعابد وصلوات السبت. وتجمعت هذه الطائفة بكثافة في هذا الحي الواقع بالقرب من شارع الموسكي التجاري، والذي أطلقوا عليه اسم "حارة اليهود".

والدليل على ذلك أنه لم يكن السكن في "حارة اليهود" مقتصراً على اليهود فقط، بل سكنها أيضاً مسلمون ومسيحيون، خاصة أن تكاليف المسكن فيها كانت منخفضة. وقد فضّلها العديد من اليهود محدودي الدخل بسبب قربها من أماكن عملهم في محلات الصاغة وشارع الموسكي. أما أولئك الذين تحسنت ظروفهم المادية، فلم يُجبروا على البقاء في الحارة، بل انتقلوا طواعية إلى أحياء راقية مثل عابدين، باب اللوق، العباسية، الظاهر، الزمالك، وجاردن سيتي.

ومن أشهر شخصيات "حارة اليهود" كان هناك أسماء برزت في الفن والسياسة. على سبيل المثال، عاش فيها الفنان إلياس مؤدب، منير مراد، ليلى مراد، رقية إبراهيم، وأستر شطاح. كذلك كانت موطناً لبعض الأسماء البارزة مثل المخرج توجو مزراحي والفنانة كاميليا والفنانة نجوى سالم. أما في الساحة السياسية، فكان من بين سكانها الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر الذي قضى طفولته وشبابه المبكر في عقار رقم 3 بحارة عدس بحي الخرنتش القريب من حارة اليهود. وما زال المنزل الذي نشأ فيه قائماً. كما خرج منها موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق ويوسف أصلان قطاوي باشا الذي شغل منصب وزير المالية المصري عام 1924 ووزير المواصلات عام 1925. وفي مجال الأدب، انطلق الكاتب المسرحي يعقوب صنوع الذي تسببت إحدى مقالاته السياسية الساخرة في نفيه من البلاد خلال حكم الخديوي إسماعيل.

حتى يومنا هذا، ما زالت "حارة اليهود" قائمة وتُعدّ واحدة من أشهر الحارات في مصر. ولم يعد وجودها معروفاً بسبب يهودها كما كان في السابق، بل أصبحت وجهة تجارية هامة تشتهر بتجارة الجملة ومجال الإكسسوارات ولعب الأطفال والذهب الصيني والتحف القديمة، مما يجعلها مركز جذب للتجارة من جميع أنحاء مصر