حافلات الصمود... أم مواكب الشك؟

في هذه الأيام، تتزاحم المشاهد وتتصادم التساؤلات، مع ما نراه ونسمعه عن "حافلات الصمود" المتجهة نحو معبر رفح، بزعم نصرة القضية الفلسطينية. مشهدٌ في ظاهره حماسة وعواطف، وفي باطنه علامات استفهام كثيرة... لماذا الآن؟ ومن وراء هذا التوقيت؟ ولماذا تدعم دول المغرب العربي—المغرب، تونس، الجزائر—هذا التحرك الشعبي الذي بدا وكأنه مُعدّ بعناية أكثر من كونه اندفاعًا شعبيًا عفويًا؟
غياب هذه الدول عن مؤتمر القمة العربية الأفريقية الأخير، يقف كتفصيل لا يمكن إغفاله. فهل يغيبون حين يُطلب منهم موقف سياسي موحد، ويظهرون فجأة في مشهد شعبي مشحون بالعاطفة؟ ولماذا هذا الزخم الإعلامي المصاحب؟ تصوير، أناشيد، رقصات، ومشاهد أشبه بكرنفال... أهذه نصرة؟ أم استعراض على حساب دماء الشهداء في غزة؟
ثم يأتي السؤال الأكبر: لماذا مصر؟ ولماذا يطلبون من مصر أن تفتح معبر رفح لهم؟ أليست تلك حدودًا سيادية؟ أليس هناك من إجراءات أمنية واستراتيجية تقتضي مراجعة كل تحرك على هذه الأرض شديدة الحساسية؟ أم أن المطلوب أن تفتح مصر أبوابها على مصراعيها، وتنتظر على العدو الغناء والرقص واللافتات؟
مصر تعرف ما تفعل، ولا تتحرك إلا بما يخدم أمنها القومي أولًا، ثم القضايا القومية بمنطق الدولة لا بمنطق الموجات. مصر لا تركب الموجة، ولا تُؤخذ بالعاطفة العابرة، ولا تُخدع بالمشاهد المصنوعة. من يريد دعم القضية الفلسطينية عليه أن يدعمها من موقعه، من إعلامه، من قراراته السياسية، من مقاطعته، من اقتصاده، لا من حافلات قد تفتح أبوابًا لا نعرف كيف تُغلق.
أين الفزعة الحقيقية؟ أين الإلهام السياسي الحقيقي؟ لقد تحولت النصرة إلى مشاهد على "تيك توك" و"إنستجرام"، وأصبحت "القضية" مسرحًا للمزايدات، لا للبطولات. بينما المقاومة الحقيقية تُحاصر، ويُضغط عليها، وتُترك وحيدة تواجه جبروت الاحتلال.
أقولها بوضوح: هناك مؤامرة، تتستر خلف حافلات وقوافل وأناشيد. مؤامرة لن تُكشَف اليوم، لكنها ستنكشف قريبًا. ومصر، كما نعرفها، لن تكون جزءًا منها، لأنها حاميتها يد الله، وسندها إرثها التاريخي، وقوتها في وعي شعبها، لا في مسايرة موجات مصنوعة.
اللهم احمِ مصر، واهْدِ من أراد استغلال بواباتها لأغراض مشبوهة.
وما النصر إلا من عند الله.