بعد فاجعة الطفل ياسين.. ثلاثية الحماية: لجنة مركزية، دروس توعية، ولجان سرية لحماية أطفالنا في مدارسهم

ما زالت فاجعة الطفل ياسين الأليمة تبعث في نفوسنا غضبًا مقدسًا وعزمًا لا يلين على اقتلاع جذور الشر وحماية براعم المستقبل. وإزاء هذه الجريمة البشعة، لم يعد مقبولًا الاكتفاء بالحلول الجزئية، بل بات لزامًا علينا أن نسلك طريقًا ثلاثيًا متكاملًا لبناء حصون أمان حقيقية لأطفالنا في صروح التعليم، وضمان بيئة آمنة وسليمة تنبت فيها بذور العلم والأخلاق.
المسار الأول: اللجنة المركزية.. تطهير وتنقية صفوف العاملين بالتعليم
إن الخطوة الأولى والضرورية هي الإنشاء الفوري للجنة مركزية عليا مقرها القاهرة. تضطلع هذه اللجنة بمهمة تطهير وتنقية صفوف العاملين في حقل التعليم من أي عناصر قد تشكل خطرًا على أطفالنا. يجب أن تبدأ اللجنة عملها فورًا بالعاملين الحاليين في جميع المؤسسات التعليمية، الحكومية والخاصة، بمختلف مستوياتهم الوظيفية، من مديرين وإداريين وأخصائيين ومعلمين وعمال.
تتولى هذه اللجنة إجراء مقابلات شخصية معمقة وتقييمات نفسية شاملة لهؤلاء العاملين، بإشراف نخبة من الأطباء النفسيين المتخصصين، لتقييم مدى سلامتهم النفسية والأخلاقية وقدرتهم على تحمل مسؤولية التعامل مع الأطفال. بالتوازي، تقوم اللجنة بإجراء تحريات دقيقة حول تاريخهم وسلوكهم.
أما بالنسبة للمتقدمين الجدد لشغل أي وظيفة في قطاع التعليم، فيجب أن يكون اجتياز هذه المقابلات والتقييمات والفحوصات الأمنية الشاملة شرطًا أساسيًا للتعيين، ولا يتم السماح لأي فرد بدخول الحقل التعليمي قبل الحصول على موافقة هذه اللجنة المركزية. يجب أن يكون عمل اللجنة سريًا للغاية، على غرار أجهزة الأمن، لضمان النزاهة والحيادية ومنع أي وساطات أو تلاعبات. كما يجب وضع آليات قانونية صارمة لمحاسبة أي شخص يثبت تورطه في التستر على أي معلومات قد تهدد سلامة الأطفال.
المسار الثاني: دروس التوعية.. تحصين الأطفال بالعلم والمعرفة والحماية الذاتية
جنبًا إلى جنب مع تطهير صفوف العاملين، يجب أن نسير بخطى حثيثة في إدراج دروس ومناهج متخصصة في مادة الدين والأخلاق، بدءًا من مرحلة رياض الأطفال والحضانات. يجب أن تتضمن هذه المناهج، بأسلوب مبسط وجذاب يناسب كل مرحلة عمرية، توعية الأطفال بمفهوم التحرش وأشكاله المختلفة، وتعليمهم كيفية التعامل معه، وإلى من يلجأون طلبًا للمساعدة والحماية.
إن تزويد الأطفال بالقيم الدينية والأخلاقية الرفيعة، وتعليمهم حقوقهم وحدودهم الشخصية، وتمكينهم من التعبير عن مشاعرهم ورفض أي سلوك غير لائق، يمثل خط دفاع وقائي قوي. يجب تدريب المعلمين على كيفية تقديم هذه الدروس بحساسية ومسؤولية، وتهيئة بيئة آمنة يشعر فيها الأطفال بالراحة والثقة للتحدث عن أي شيء يزعجهم.
المسار الثالث: لجان المتابعة السرية.. عين ساهرة داخل المدارس لحماية الأطفال
إضافة إلى هاتين الخطوتين الحاسمتين، يجب أن يتم تفعيل لجان سرية تجوب المدارس بشكل دوري ومفاجئ، بدءًا من اليوم. تتكون هذه اللجان من متخصصين في علم النفس والاجتماع وحماية الطفل، وتكون مهمتها الأساسية مقابلة الأطفال بشكل فردي وسري داخل مدارسهم.
تهدف هذه المقابلات إلى الاستماع إلى شكاوى الأطفال وملاحظاتهم حول سلوكيات العاملين في المدرسة، بدءًا من المدير وحتى أصغر عامل. يجب أن يتم تسجيل هذه الشكاوى بمنتهى السرية والجدية، والتحقيق فيها بشكل فوري وحاسم. وفي حال ثبوت أي تجاوز أو سلوك مسيء أو خطر على سلامة الأطفال، يجب اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة ضد المتورطين على الفور، دون أي تهاون أو تأخير.
إن وجود هذه اللجان السرية سيكون بمثابة عين ساهرة داخل المدارس، ترصد أي تجاوزات وتوفر للأطفال قناة آمنة للتعبير عن مخاوفهم. كما سيكون رادعًا قويًا لأي شخص تسول له نفسه إيذاء الأطفال أو استغلال سلطته عليهم.
إن حماية أطفالنا هي مسؤولية وطنية وإنسانية وأخلاقية لا تقبل التأجيل أو التقصير. من خلال السير المتوازي في هذه المسارات الثلاثة – تطهير صفوف العاملين، بناء وعي الأطفال، وتفعيل الرقابة السرية – نستطيع أن نبني حصونًا حقيقية تحمي براعم المستقبل وتضمن لهم بيئة تعليمية آمنة وسليمة ومحفزة للنمو والازدهار. دماء الطفل ياسين الطاهرة تستصرخ ضمائرنا، ولن يهدأ لنا بال حتى يتحقق الأمان لأطفالنا في كل ربوع الوطن.