فريد عبد الوارث يكتب: اختيارات مرشحي الشورى: بين تطلعات المواطن و ثغرات الواقع

انتشرت مؤخراً أخبار اختيارات مرشحي مجلس الشورى على وسائل التواصل الاجتماعي و شغلت حيزاً كبيراً من أحاديث المواطنين، فما بين مؤيدي تلك الاختيارات و معارضيها دات النقاشات و كيف لا و مجلس الشورى إحدى الركائز الأساسية لأي نظام تشريعي يسعى للتعبير عن هموم المواطنين، و مراقبة أداء الحكومة، و المشاركة في صناعة القرار، و مع كل دورة انتخابية، تتجدد الآمال بتقديم مرشحين قادرين على تمثيل الشعب بجدارة، إلا أن الواقع يكشف عن سلسلة من الإشكاليات التي تعيق تحقيق هذا الهدف، و تُظهر أن الطريق إلى مجلس شوري فعّال ما زال طويلًا.
سنحاول التقييم و طرح الحلول العلمية لعل وعسى ...
أولاً: السياق العام لاختيارات المرشحين
تزايد اهتمام المواطنين بالترشح و الانتخاب في السنوات الأخيرة بشكل لافت، و يعود ذلك إلى عدة عوامل، منها:
اتساع الفضاء الإعلامي والتواصل الاجتماعي، مما ساعد على إبراز الشخصيات العامة.
ازدياد وعي المواطن بأهمية المجلس كأداة ضغط و تشريع.
نمو الشعور الجمعي بأهمية المشاركة السياسية في مواجهة التحديات الاقتصادية و الاجتماعية.
لكن هذه الحيوية في المشهد لم تقترن دومًا بجودة الاختيارات، بل ظهرت مشكلات بنيوية و ثقافية أضعفت فاعلية مخرجات العملية الانتخابية.
ثانيًا: العيوب التي شابت عملية اختيار المرشحين:
1. ضعف الخلفية العلمية و التشريعية لدى عدد من المرشحين.. واحدة من أبرز الملاحظات هي أن عددًا من المرشحين لا يمتلكون أي خبرة تشريعية أو خلفية أكاديمية في القانون أو الاقتصاد أو السياسات العامة، و هذا يطرح تساؤلًا حول قدرتهم على دراسة مشاريع القوانين أو مناقشة الميزانيات أو مراقبة الأداء التنفيذي، فبعضهم جاء من خلفيات اجتماعية أو مهنية لا علاقة لها بصناعة القرار العام، بل يفتقد حتى لأبجديات العمل المؤسسي.
2. سيطرة الاعتبارات القبلية و العشائرية و المناطقية.. ففي بعض الدوائر، لا تزال القبلية و العصبية العائلية تلعب دورًا حاسمًا في ترشيح ودعم الأسماء، بغض النظر عن الكفاءة، فالمعيار يصبح: "ابن العائلة" أو "مرشح القبيلة"، و ليس "الأكثر تأهيلًا"، و هذه الظاهرة تؤدي إلى:
تهميش الكفاءات الفردية المستقلة.
تعميق الانقسامات الاجتماعية على حساب الوحدة الوطنية.
تحويل المجلس إلى واجهة تمثيلية شكلية بدلًا من كونه مؤسسة رقابية و تشريعية فاعلة.
3. الضعف البيّن في البرامج الانتخابية
تُظهر متابعة الحملات الانتخابية لكثير من المرشحين أن خطاباتهم تعتمد على الشعارات الرنانة مثل "تحقيق التنمية" و"خدمة المواطن" و"الوقوف مع الشباب"، دون تقديم برامج عملية أو أرقام أو دراسات أو حتى تصور واضح لدور المجلس، بل إن بعض المرشحين يفتقر إلى فهم طبيعة الدور الفعلي لمجلس الشورى، ويخلطون بينه و بين المجالس التنفيذية أو البلدية.
4. استخدام المال السياسي و النفوذ الاجتماعي ... في بعض الحالات، يتم استخدام المال لكسب الأصوات، سواء عبر الهدايا العينية، أو الرعاية الرمزية لبعض المناسبات، أو حتى الوعد بتقديم "خدمات" لاحقًا، هذه الممارسات تضر بنزاهة الانتخابات و تُضعف ثقة الجمهور بها، لأنها:
تُفضّل الأثرياء على الأكفاء.
تُكرّس مبدأ "الشراء" بدلًا من الإقناع.
تُؤدي إلى انتخاب مرشحين لديهم نفوذ لا رؤية.
ثالثًا: الأسباب الكامنة وراء هذه الإشكاليات
لا يمكن النظر إلى هذه العيوب بمعزل عن السياق السياسي والثقافي الأوسع، و أبرز الأسباب تشمل:
ضعف التثقيف السياسي: كثير من المواطنين لا يدركون أهمية اختيار المرشح الكفء أو دور المجلس التشريعي، ما يؤدي إلى اختيارات عاطفية أو تقليدية.
غياب المعايير الموضوعية للترشح: بعض الأنظمة لا تفرض شروطًا صارمة من حيث المؤهلات العلمية أو الخبرة المهنية، مما يفتح الباب أمام من لا يملكون الأدوات اللازمة لأداء الدور المنوط بهم.
تردي الخطاب الانتخابي والإعلامي: الخطاب السائد يركّز على الانتماء و الانخراط الشعبي أكثر من الكفاءة والمبادرة، مما يجعل الساحة أقرب إلى "مهرجان اجتماعي" منها إلى "سباق برامج و سياسات"!!
رابعًا: الحلول الممكنة لتطوير الاختيارات
1. رفع معايير الترشح
اعتماد حد أدنى من المؤهلات العلمية والتجربة العملية، خصوصًا في المجالات القانونية والاقتصادية.
إجراء مقابلات تقييم أو اختبارات رمزية توضح فهم المرشح لطبيعة الدور.
2. تعزيز الوعي الانتخابي
إطلاق حملات تثقيفية من قبل مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام.
تنظيم ورش عمل وندوات تناقش دور المجلس ومعايير اختيار النائب المثالي.
3. تنظيم التمويل الانتخابي
سنّ قوانين صارمة تمنع استخدام المال السياسي.
إلزام المرشحين بالكشف عن مصادر تمويل حملاتهم.
4. تحفيز النخب الشابة والكفاءات
تقديم حوافز ومبادرات تشجع أصحاب الكفاءات على الترشح.
بناء شبكات دعم سياسي واجتماعي لهذه الفئة.
وبرغم التحديات، لا يزال الأمل قائمًا في أن يتحوّل مجلس الشورى إلى منصة حقيقية تمثل مصالح الشعب وتراقب أداء السلطة التنفيذية بوعي ومسؤولية، و لكن هذا لا يمكن أن يتحقق دون إصلاح حقيقي في آليات الترشيح والاختيار، وجدية في المعايير، و وعي لدى الناخبين بأهمية صوتهم، لأن من يُنتَخب اليوم... هو من يشرّع للغد.
أما الأحزاب السياسية و ما أصاب بعضها من خيبة أمل كبيرة ستنعكس على تشكيلاتها بشكل سلبي ... سيكون لنا معها وقفات في قادم المقالات.
والسلام