18:10 | 23 يوليو 2019

فريد عبد الوارث يكتب: عندما أنقذت مصر نفسها وأيقظت أمة بأكملها

3:52pm 03/07/25
فريد عبد الوارث
فريد عبد الوارث

حين تخرج الشعوب بالملايين في وقت واحد، لا تفعل ذلك عفواً، و عندما يتحدث الجيش بلغة الشعب، فلا تكون تلك إلا لحظة وطنية فارقة، في 30 يونيو، أعادت مصر اكتشاف نفسها، وفي 3 يوليو وضعت حجر الأساس لبناء جديد لا يخصّها وحدها، بل كل من حولها.
الثورة التي أعادت تعريف الشرعية
لم تكن ثورة 30 يونيو مجرد حراك احتجاجي، بل كانت رفضًا وطنيًا شاملًا لمشروع سياسي حاول أن يصبغ الدولة المصرية بلون واحد، و أن يستبدل مؤسساتها الراسخة بمنظومة تابعة لكيان خارجي الفكر و الهوى. 
لقد شعر المصريون بأن وطنهم يتسلل من بين أيديهم، فقرّروا في لحظة وعي تاريخية أن يقولوا "كفى"، ويستعيدوا دولتهم التي ناضلوا لأجلها لعقود.
الملايين التي ملأت الشوارع لم تكن تطلب شيئًا سوى استعادة التوازن، ووقف مسلسل الانهيار، و كانت القوات المسلحة، ببيان الثالث من يوليو، صوتًا لصدى الجماهير، و درعًا لوطن على وشك الانكسار.
إنقاذ الداخل.. ورسالة إلى الخارج
بوقف الفوضى، أعادت مصر لُحمة الدولة وفرضت احترامها، كانت الفوضى تقترب، والانقسام يتسع، والمؤسسات توشك أن تنهار، لكن 30 يونيو أعادت ترتيب المشهد، و أعادت للناس الثقة بأن الدولة فوق الجميع، و بأن لا أحد يملك التفريط في هوية مصر المدنية المتنوعة.
لكن التأثير لم يتوقف عند حدود النيل، ففي العالم العربي، كانت الرسالة واضحة وصادمة .. بإمكان الشعوب أن تصحح مسارها، لم تكن مصر تعيش بمعزل عن محيطها؛ فحركات الإسلام السياسي كانت تتمدد في عدة عواصم، فيما تجارب الربيع العربي تتخبّط بين الأحلام و الدمار.
وهكذا، صارت القاهرة علامة فارقة في الطريق، ليست ضد التغيير، لكنها ضد أن يتحول التغيير إلى فوضى، ليست ضد الديمقراطية، لكنها مع أن تكون الدولة قوية قبل أن تُسلّم لحزب أو جماعة، و هذه الدروس لم تمرّ مرور الكرام في العواصم القريبة، بل غيّرت من الحسابات، وأعادت تشكيل الوعي العربي.
ما بعد 3 يوليو لم يكن نزهة واجهت الدولة حربًا إرهابية شرسة، و تحديات اقتصادية معقّدة. لكن مصر استطاعت، بخطى ثابتة، أن تنقذ مؤسساتها، و تؤسس لمرحلة بناء جديدة عنوانها الاستقرار والتنمية.
في ظل قيادة استجابت لنداء الجماهير، تحوّلت مصر إلى ورشة عمل وطنية، مشروعات بنية تحتية، مدن جديدة، إعادة هيكلة للاقتصاد، إصلاحات تعليمية وصحية، كلّها كانت ترجمة لصوت الشارع الذي خرج مطالبًا باستعادة وطن.
و ختاماً، فإن 30 يونيو ليست فقط لحظة في التاريخ، ففي ذاكرة الشعوب، هناك لحظات تختصر قرونًا، ويوم 30 يونيو من تلك اللحظات التي ستظل شاهدة على أن مصر، إذا ما تعثّرت، تعود أقوى، و إذا ما اقترب الخطر من حدودها، يقف شعبها حائط الصد الأول.
لقد أنقذت مصر نفسها، لكنّها أيضًا أنارت الطريق لغيرها، علّمت العرب أن الحفاظ على الدولة واجب، وأن لا تغيير دون وعي، و لا حرية دون مسؤولية، و لا مستقبل دون وطن قوي.
في لحظة كانت فيها العواصم تتساقط، اختارت القاهرة أن تقف، لا لتنجو بنفسها فقط، بل لتقول للجميع: ما زال في الأمة متّسع من القوة، و ما زال هناك شعب يعرف متى يصمت، و متى ينفجر، و متى يعيد كتابة تاريخه بيديه. 
علّمت التجربة المصرية الشعوب أن الخلاص لا يأتي من الخارج، وأن التصحيح لا يكون إلا بإرادة داخلية، مؤمنة بأن الأوطان لا تُباع و لا تُشترى. 
تحيا مصر لتحيا الأمة ... 
تحيا مصر لتزول الغمه.
 

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum