القمة المصرية الأوروبية الأولى مصر تفرض حضورها وتعيد صياغة المعادلة مع أوروبا
لم تكن القمة المصرية الأوروبية الأولى في بروكسل مجرد لقاء دبلوماسي بروتوكولي بين رئيس ودول بل كانت إعلاناً واضحاً عن واقع جديد تشكله مصر بإرادتها وعقلها ووزنها السياسي في معادلة الشرق الأوسط وأوروبا على حد سواء
الرئيس عبد الفتاح السيسي دخل أروقة المجلس الأوروبي بثقة من يعرف تماماً ما يريد لا باعتباره ضيفاً يبحث عن دعم بل شريكاً يعرض رؤية متكاملة لمستقبل العلاقة بين ضفتي المتوسط على أسس من الاحترام والمصالح المتبادلة لا التبعية أو الإملاءات
القاهرة لم تعد في موقع المتلقي بل أصبحت رقماً فاعلاً في معادلة الأمن والاستقرار الإقليمي شريكاً لا يمكن تجاوزه في قضايا الهجرة والطاقة والأمن والتنمية ومفتاحاً لأي حديث جاد عن سلام حقيقي في الشرق الأوسط
خطاب الرئيس أمام القمة والمؤتمر الصحفي المشترك حمل رسائل عميقة أولها أن مصر ثابتة على مواقفها المبدئية تجاه القضايا العربية خصوصاً القضية الفلسطينية وثانيها أن ما تحقق في شرم الشيخ من اتفاق سلام مستدام ليس نهاية الطريق بل بدايته نحو دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967
أما الرسالة الثالثة فكانت اقتصادية بامتياز حين تحدث السيسي عن تحويل الشراكة المصرية الأوروبية إلى مسار إنتاجي واستثماري حقيقي يركز على الصناعة والتكنولوجيا ورأس المال البشري بما يجعل مصر مركزاً إقليمياً للتكامل الاقتصادي مع أوروبا
القمة كشفت أيضاً عن إدراك أوروبي متزايد لأهمية مصر كشريك استراتيجي موثوق ليس فقط لأنها بوابة القارة إلى إفريقيا والعالم العربي ولكن لأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي نجحت في الجمع بين الاستقرار الداخلي والدور الخارجي المتوازن
ورغم تعدد الملفات المطروحة من غزة إلى ليبيا والسودان كان الحضور المصري لافتاً في طرح الحلول لا في توصيف الأزمات إذ قدم السيسي رؤية متكاملة تقوم على الواقعية السياسية والتوازن الإقليمي بعيدة عن المزايدات أو الشعارات
في المقابل بدا واضحاً أن الاتحاد الأوروبي يتجه نحو شراكة أكثر عمقاً مع القاهرة بعد أن أدرك أن أمن أوروبا يبدأ من الجنوب وأنه لا استقرار في المتوسط دون مصر
القمة الأولى لمصر وأوروبا ليست محطة بروتوكولية عابرة بل خطوة تأسيسية لعصر جديد من العلاقات المتوازنة التي تضع مصر في موقعها الطبيعي كقوة إقليمية عاقلة تملك القرار والرؤية وتفرض احترامها على الساحة الدولية بالمنطق والعمل لا بالضجيج
هكذا تثبت مصر من جديد أن سياستها الخارجية ليست رد فعل بل مشروع وطني طويل المدى عنوانه الاستقلال في القرار والاحترام في الشراكه


















