منى صدقى تكتب : آلاء النجار "خنساء غزة "

آلاء النجار طبيبة تؤدي واجبها في قسم الأطفال بمستشفى ناصر الطبي في غزة، تتنقل بين أسِرّة المرضى، تداوي الصغار، تحتضن أوجاعهم بلمسات تفيض حنانًا ومهنية، وكأنها تجمع بين دور الطبيبة والأم ، وبينما كانت تصلح وسادة لطفل مريض، وصلتها الفاجعة ... قصف عنيف استهدف خان يونس... منزلكِ يا دكتورة !!!
وقف الزمن حينها ، تسمرت في مكانها، بينما قلبها سبق كل الكلمات والتفسيرات. البيت... الأطفال؟!
لم يطل الانتظار ، لم تُمنح مشاعرها فرصة للاستيعاب أو الرفض ، بدأت الجثامين تصل واحدة تلو الأخرى، تسعة أكياس سوداء حملت أرواحًا كانت تنبض بالحياة في كنفها ، تسعة أطفال غادروا هذه الدنيا، دون وداعٍ ودون تفسير.
يحيى، ركان، رسلان، جبران، إيف، ريفان، سيدين...
لم يكن ما جرى مجرد قصف؛ كان اقتلاعًا للأمومة من جذورها في قسوة تفتك بالروح ، رحلوا جميعهم، من الرضيع الذي لم يكمل عامه الثاني إلى الأكبر الذي كان على أعتاب السادسة عشرة ، في لحظة واحدة، وجدت الطبيبة نفسها خاسرة لكل شيء... لم تعد أمًّا فقط، بل شاهدًا على جثامين أطفالها تُحمل أمام عينيها بين جدران المستشفى ذاته الذي وهبت حياتها لخدمة مرضاها.
في غزة، تعلم النساء العالم معنى الصبر وقوة البقاء، تأتي المآسي كالسيول الجارفة، تتخطى حدود التحمل لتسلب البيوت والأحلام، بل وحتى ملامح الطفولة البريئة ،هناك، لا يوجد وداع ؛ كل ما تبقى هو ألم الفقدان دون عناق أو بقايا يحتفظ بها القلب ، ولكن ماذا لو كان الوداع لتسعة أطفال دفعة واحدة؟
في غزة، يولد الطفل تحت القصف، يكبر تحت الحصار، ويموت قبل أن يعرف طعم الأمان. أما الأمهات فتتآكل أرواحهن شيئًا فشيئًا؛ لا يمتن مرة واحدة، بل تموت قلوبهن مرارًا لا تُحصى. آلاء فقدت أطفالها التسعة دفعة واحدة، لكنها فقدت مع كل واحد منهم جزءًا من نبض قلبها الذي يستمر بالخفقان رغم الألم الذي لا يُطاق.
إلى نساء غزة الشامخات في وجه الحصار والدمار، يا رمز الكرامة وشرف الوجع... أنتن شعلة الأمل التي لا تنطفئ وسط الخراب. أنتن اللواتي تبدعن الحياة وسط ركام الموت. مهما تحدثت الكلمات وضاقت اللغات عن وصفكن، تظل عظمتكن شاهدة على ما يُكتب وما يُقال وما يعجز الإنسان عن الإفصاح عنه.أنتن الوطن حين يغيب العالم.
إلى نساء غزة... صمت العالم ثقيل، لكن صوتكن أقوى وأبقى