18:10 | 23 يوليو 2019

السلطان سليمان القانوني: بطل الأمة وعقلها المدبر

2:32pm 06/09/25
صورة أرشيفية
ميرفت رضوان

تعد الدولة العثمانية واحدة من أعظم الإمبراطوريات التي عرفها التاريخ، ولا يمكن الحديث عن هذا الكيان الضخم دون أن يُذكر اسم السلطان سليمان القانوني. حاكم عظيم ومجاهد فذ، أرسى قواعد العدالة وحارب في سبيل الله، لكن للأسف، تم تشويه سيرته من خلال الأعمال الفنية التي حاولت تصويره على أنه محب للنساء وألعاب اللهو. لكن الحقائق التاريخية تُظهر شخصية مختلفة تماماً؛ شخصية قائد عسكري، فقيه، ومفكر له أثر كبير على ماضي وحاضر الأمة.
من أبرز جوانب شخصية السلطان سليمان كان التزامه الكامل بشريعة الله عز وجل. فكما هو معروف، كان دائم الرجوع إلى العلماء قبل اتخاذ أي قرار مهم، وكأن الحكم كان لا يكتمل إلا بعد استشارة أهل العلم. هذا المبدأ كان هو السمة المميزة في حكمه، وهو ما يظهر جلياً في حادثة شهيرة من حياته.
عندما أخبره موظفو القصر بوجود مشكلة تتعلق بالنمل الذي دمر جذوع الأشجار في قصر "طوب قابي"، قرر السلطان الاستفسار أولاً عن حكم الشرع قبل اتخاذ قرار بتدمير النمل. فقد كتب له مفتي الدولة الشيخ أبو السعود أفندي، الذي أجابه شعراً:
"إذا نصب ميزان العدْل،
أخذ النمل حقه بلا وجل."
هذه الحادثة البسيطة تعكس التزام السلطان العميق بمبادئ العدالة، وجعل موازين العدل هي التي تتحكم في كل شيء، حتى في الأمور الصغيرة التي قد يظن البعض أنها لا تستحق الاهتمام.
لم يكن السلطان سليمان مجرد حاكم يدير شؤون الدولة من وراء القصر، بل كان محارباً شجاعاً قاد جيوشه في 13 حملة عسكرية كبرى. وقد شهدت فترة حكمه توسعاً كبيراً للإمبراطورية العثمانية، حيث امتدت من الأراضي الأوروبية وصولاً إلى قلب القارة الأفريقية. كما تم فتح العديد من الأراضي الهامة مثل صربيا، المجر، جنوب أوكرانيا، ورومانيا.
من أبرز إنجازاته كان تحرير الجزائر وليبيا من الاحتلال الإسباني، وتحقيق الانتصار على الصفويين في العراق. ولكن حربه لم تكن تقتصر على الخارج فقط، فقد كانت الدولة العثمانية تحت قيادته تشهد حالة من الاستقرار الداخلي جعلت منه أحد أعظم الحكام في التاريخ الإسلامي.
الجانب الثقافي والعلمي للسلطان: بين الحروب والفنون
بعيداً عن معركة ودماء الحروب، كان السلطان سليمان مثقفاً ومحباً للعلم والفنون. عُرف بمهاراته الفائقة في الخط العربي، حيث كتب القرآن الكريم بيده 8 مرات. كما كان شاعراً، وكان يجيد عدة لغات، منها العربية والفارسية.
عُرف بلقب "سلطان المثقفين ومثقف السلاطين" ليس فقط بسبب تميز شخصيته الثقافية، ولكن لأنه كان يحيط نفسه بنخبة من العلماء والمفكرين. وكان يولي اهتماماً كبيراً لاحتضان الفنون والعلوم في بلاطه، مما جعل العصر الذي عاش فيه يزدهر ثقافياً.
الوفاة ووصيته التي هزت الأوساط الدينية
لكن السلطان، رغم عظمته في الدنيا، كان يعي تماماً أن الموت لا بد منه. وعندما توفي في 1566م أثناء سفره إلى فيينا، أُصيبت الأمة الإسلامية بصدمة كبيرة، بل إن سقوطه أثار أفراحاً في أرجاء أوروبا. لكن سيرته استمرت حتى بعد وفاته من خلال وصيته الغريبة، التي تأثر بها العلماء والمفكرون، فقد طلب أن يُوضع صندوق صغير معه في قبره.
بعد أن فتح العلماء الصندوق عند تشييعه، ظنوا في البداية أنه يحتوي على أموال، ولكن المفاجأة كانت أن الصندوق كان مليئاً بالفتاوى التي أصدرها كبار العلماء خلال فترة حكمه. كانت هذه الفتاوى بمثابة "دفاع" عن السلطان، ليبقى مع الحق حتى في آخر لحظات حياته.
لقد كانت حياة السلطان سليمان القانوني مليئة بالعبر والدروس التي تتجاوز حدود السياسة والحروب. فهو لم يكن مجرد سلطان قوي أو قائد عسكري بارع، بل كان حاكماً عادلاً، مفكراً، وفقيهاً. ومع كل ما حققه من انتصارات وفتوحات، كان دائماً يضع في قلبه حكم الله، ويحرص على تحقيق العدالة لجميع رعاياه. هذه هي السيرة الحقيقية للسلطان سليمان القانوني، التي يجب أن نتذكرها بعيداً عن التشويه الذي تعرض له في الأعمال الفنية.
 إن السلطان سليمان القانوني كان أحد أبرز رموز التاريخ الإسلامي، وعلينا أن نعيد قراءة سيرته بعيداً عن التفسيرات المغلوطة، وأن نستلهم من حياته القيم العظيمة التي جاهد من أجلها
 

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum