حين يبتسم الوجع
ليس أصعب على الروح من أن تبتسم وهي تنزف ولا أصدق من وجع يعرف طريقه إلى الضوء رغم عتمة القلب
حين يبتسم الوجع يكون الإنسان قد عبر نصف الطريق بين الانكسار والنجاة بين الألم الذي يهلكك والألم الذي يطهرك
تتغير الملامح ويغدو البكاء ترفا لا وقت له فكل ما فيك يهدأ لا لأنك لم تعد تشعر بل لأنك شعرت بما يكفي حد أنك لم تعد قادرا على المزيد هناك لحظة يصل فيها الإنسان إلى أقصى الوجع فيبتسم
ابتسامة خفيفة لا سخرية فيها ولا تحد بل تصالح مع قدر صار جزءا منك كأنك تقول لنفسك لقد انتهيت من المقاومة وسأعيش رغم كل شيء
حين يبتسم الوجع تنطفئ الأصوات من حولك وتتعلم أن الصمت أصدق من ألف حديث كاذب
تتذكر من رحلوا دون وداع ومن جرحوا دون ندم ومن وعدوا ثم نسوا
لكنك لا تغضب فقط تبتسم لأنك صرت تفهم
تفهم أن الخذلان لا يقتل بل يعلمك من يستحق البقاء في قلبك ومن كان عبورا عابرا في حياتك
هناك وجع لا يشفى لكنه يهذب القلب
وجع يجعلك أكثر رقة أكثر وعيا وأكثر إدراكا بأن القوة ليست في الصراخ ولا في الانتقام بل في القدرة على الصبر الجميل
في أن تمشي فوق الرماد دون أن تترك أثرا وأن تبتسم في وجه من كاد يسلبك الحياة لا تحديا له بل احتراما لذاتك التي لم تمت رغم كل ما حدث
الوجع يبتسم حين تدرك أن الحزن لا يلغيه الفرح بل يكتمل به
حين تفهم أن الجرح لم يكن عبثا بل كان طريقا لمعرفة نفسك على حقيقتها
حين تنظر إلى السماء وتقول بهدوء أنا بخير حتى لو لم تكن كذلك تماما
وحين يبتسم الوجع يصبح الألم معلما لا عدوا وصديقا يذكرك بأنك ما زلت قادرا على الإحساس
ربما لا يعود ما فقد وربما لا يشفى ما كسر لكنك أنت
أنت ستخرج من كل ذلك أكثر نضجا أكثر صدقا وأكثر جمالا في صمتك وهدوئك
فالوجع حين يبتسم لا يعني أنه رحل
بل يعني أنك تجاوزته دون أن تفقد نفسك


















