الشيخ محمدالسيد متولى يكتب:أعمال لها ثواب يعادل ثواب الحج والعمرة

من رحمة الله تعالى ولطفه بنا أنه جعل لنا مواسم للطاعات تزداد فيها الحسنات بزيادة الطاعات وترفع فيها الدرجات بكثرة القربات ويسر الله لنا كل عسير حتى فى قضية آداء العبادات ، فالأصل الأصيل فى ديننا الحنيف اليسر لا العسر ، ورفع الحرج عن المعذورين قال تعالى ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ) سورة الحج ( ٧٨ ) ومن لطف الله تعالى بنا أنه لم يفرض علينا عبادة بعينها فوق طاقتنا أو فيها مشقة قال تعالى ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٨٦) سورة البقرة .
حتى فى قضية النفقة لم يكلفنا الله تعالى فوق طاقتنا لأن الأصل الأصيل التيسير في العبادات والمعاملات وهذا هو أصل الدين .
ومن العبادات والأركان التى فرضها الله سبحانه وتعالى على المسلمين فريضة ( حج بيته الحرام ) وهو الركن الخامس من أركان الإسلام ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا ) رواه البخاري ومسلم .
والمتأمل في قضية الحج يجد أنها عبادة تحمل شيئا من المشقة والتعب عكس معظم الأركان الأخرى لذلك شرط فى آداء هذه العبادات الإستطاعة ، ويقصد بها ( الإستطاعة المالية والبدنية ) وفضل الحج معروف يكفى أن من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه هكذا أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم فى حديثه الشريف ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال ( سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ. )
رواه البخاري ومسلم .
وجاء أيضا في فضل الحج وثوابه عن أبى هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ. ) رواه البخاري ومسلم .
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية فى هذا الصدد كثيرة لا تحصى ولا تعد .
لكن السؤال الذى يطرح نفسه ، هل توجد عبادات لها ثواب يعادل ثواب الحج والعمرة ؟
الجواب : نعم والثواب هنا ثواب جزاء ليس ثواب إجزاء وإلا فإن الفريضة لا تسقط بثواب هذه العبادات ، يعنى من أدى هذه العبادات فقد يحصل على ثواب يضاهى ثواب الحج والعمرة مع عدم إسقاط الفريضة .
من هذه العبادات التى لها ثواب يعادل ثواب الحج والعمرة :
١ - النية الصادقة على آداء هذه الفريضة حتى وإن لم يتيسر لك فيُكتَب لك أجر النية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ : عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ ، يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ " ، قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . ) رواه الترمذي .
فبمجرد أن تنوى نية فى آداء عبادة معينة ولم يتيسر لك آداء هذه العبادة فيكتب لك ثواب نيتك ، فأنت والذى أدى سواء هو بعمله وأنت بنيتك .
٢ - بر الوالدين من الأعمال التي لها ثواب يعادل ثواب الحج والعمرة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أنه قال ( أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: إنِّي أشْتَهي الجِهادَ ولا أقْدِرُ عليه، قال: هل بَقِيَ مِن والدَيْكَ أحدٌ؟ قال: أُمِّي. قال: فأسأَلِ اللهَ في بِرِّها، فإذا فعَلْتَ فأنت حاجٌّ مُعْتَمِرٌ. ) رواه الطبراني في المعجم الأوسط .
والمعنى أن الإنسان ما دام بارا بوالديه فهو كالمجاهد فى سبيل الله وكالحاج والمعتمر ، وهذا دليل على فضل بر الوالدين .
٣ - صلاة الصبح في جماعة وجلسة الضحى ثم بعد ذلك صلاة الضحى من الأعمال التي لها ثواب يعادل ثواب الحج والعمرة .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ " قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ " . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، قَالَ : وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيل ، عَنْ أَبِي ظِلَالٍ ، فَقَالَ : هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ ، قَالَ مُحَمَّدٌ : وَاسْمُهُ هِلَالٌ .) رواه الترمذي .
٤ - آداء الصلاة المكتوبة فى المساجد من الأعمال التي لها ثواب يعادل ثواب الحج والعمرة
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ " رواه أبو داود .
فهذه جملة أحاديث نصت على بعض الأعمال التى لها ثواب يعادل ثواب الحج والعمرة ويقدر عليها الكثير من الناس ، وهذا إن دلَّ فإنما يدل على لطف الله تعالى بنا ورحمته .
نسأل الله تعالى أن يكتب لنا الحج والعمرة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأن يجعلنا من الطائعين العابدين الخاشعين يا رب العالمين وأن يكتب لنا ثواب هذه العبادات يا رب العالمين .
الكاتب
إمام وخطيب قادة فكر بوزارة الأوقاف
وعضو لجنة الدعوة الإسلامية بمحافظة الشرقية