ليلة الرعب في عروس البحر: الإسكندرية بين السيول والعاصفة

لم تكن ليلة الجمعة عادية في الإسكندرية، بل كانت واحدة من أقسى الليالي التي عاشها أهل المدينة الساحلية منذ سنوات. في لحظات، تحولت شوارع عروس البحر إلى أنهار، وتبدلت السماء الزرقاء إلى ساحة للرعد والبرق، لتُسجل هذه الليلة ضمن أرشيف الكوارث الطبيعية التي تتكرر دون استعداد كافٍ.
شهدت الإسكندرية مساء الجمعة وحتى الساعات الأولى من فجر السبت، موجة طقس عنيفة اجتمعت فيها عناصر الشتاء القاسي كلها: أمطار غزيرة، رياح عاتية، سيول مفاجئة، وعواصف رعدية، بل وحتى تساقط للثلوج في مشهد نادر. لم يسلم حي من الأحياء من الضرر، وكان النصيب الأكبر لأحياء المنتزه وشرق المدينة، حيث غمرت المياه الشوارع وارتفعت حتى أعاقت السير، وانهارت أجزاء من مبانٍ قديمة، وسقطت أعمدة إنارة ولافتات إعلانية كأن المدينة تتنفس ألمًا.
حالة الطوارئ أعلنتها الجهات التنفيذية، واجتمعت أربع مؤسسات – الأحياء، وشركة الصرف الصحي، وشركة المياه، وشركة نهضة مصر – لمحاولة السيطرة على الكارثة. سيارات الشفط عملت طوال الليل، لكن الأمطار كانت أقوى، والأضرار أسرع من الجهود. وعليه، تأجلت امتحانات الشهادة الإعدادية، وأوقفت جامعة الإسكندرية امتحاناتها، تأكيدًا على خطورة الأوضاع.
ووسط هذه الكارثة، وقف المواطن الإسكندراني مرة أخرى في الواجهة. لا يملك إلا الدعاء أو أن يواجه الطوفان وحده. مشهد متكرر في كل موجة طقس سيئة، دون حلول جذرية أو استعدادات وقائية حقيقية. ويبقى السؤال: إلى متى؟ متى تتحول ردود الفعل إلى خطط مسبقة، ومتى تتحول بيانات الطوارئ إلى استعداد دائم، خاصة مع تغيرات مناخية أصبحت واقعة لا خيالًا؟
الإسكندرية لا تستحق أن تغرق كل شتاء، ولا أن تعيش الخوف في كل عاصفة. فهي ليست مجرد مدينة، بل تاريخ وثقافة وهوية. وما حدث ليلة أمس ليس قدرًا، بل نتيجة واضحة للإهمال.
ليتنا نفيق قبل أن تبتلعنا مياه الإهمال نهائيًا.
