18:10 | 23 يوليو 2019

فريد عبد الوارث يكتب: الخيانة في أبهى صورها .. تورط إماراتي في رعاية ميليشيا الإبادة بالسودان

12:25pm 30/10/25
فريد عبد الوارث
فريد عبد الوارث

في واحدة من أكثر فصول الصراع السوداني دموية وتعقيداً، تتكشف أدلة جديدة تشير إلى تورط مباشر لدولة الإمارات العربية المتحدة في تمويل وتسليح ميليشيا الدعم السريع، المتهمة بارتكاب جرائم إبادة و تطهير عرقي بحق المدنيين في دارفور وأجزاء من الخرطوم، و تظهر الوثائق المسرّبة أن ما يجري لم يكن مجرّد دعم سياسي أو مادي عابر، بل خطة ممنهجة لإعادة رسم موازين القوى في السودان عبر وكلاء محليين.
وثائق سرية تفضح شبكة التمويل
تقرير استقصائي نشرته جهات بحثية مستقلة كشف أن الإمارات استخدمت مسارات تهريب عسكرية عبر تشاد لنقل أسلحة متقدمة إلى ميليشيا الدعم السريع، شملت صواريخ موجهة ومدافع هاوتزر ومركبات مدرعة إماراتية الصنع مزودة بأنظمة فرنسية.
كما أظهرت صور الأقمار الصناعية وجود آليات إماراتية على جبهات القتال في السودان، في انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن التي تحظر توريد السلاح إلى أطراف النزاع.
غسيل أموال وتسليح تحت غطاء “المساعدات الإنسانية”
التحقيقات بيّنت أن عمليات التمويل جرت عبر حسابات مصرفية في بنك أبوظبي الوطني (FAB)، حيث نُقلت ملايين الدراهم إلى شركات إماراتية وهمية على صلة بقيادات الميليشيا.
الأخطر من ذلك أن طائرات إماراتية استُخدمت في نقل السلاح والجرحى تحت غطاء “المساعدات الإنسانية”، عبر مستشفى ميداني تموّله الإمارات في مدينة أمجرس التشادية، ما يؤكد وجود تنسيق ميداني ولوجستي معقد.
تورط على أعلى المستويات
مصادر استخباراتية غربية أفادت بوجود اتصالات مباشرة بين منصور بن زايد ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد ميليشيا الدعم السريع، كما كشفت تسجيلات صوتية مسرّبة عن إشراف مكتب محمد بن زايد نفسه على تمويل الميليشيا ومتابعة تحركاتها.
هذه المعطيات تضع الدور الإماراتي في خانة الفاعل الرئيسي لا الممول الثانوي، وهو ما يزيد الضغط الدولي على أبوظبي مع تصاعد المطالب بالتحقيق في الجرائم المرتكبة.
إبادة جماعية… وذهب يتدفق نحو دبي
رغم نفي الإمارات المستمر، فإن وثائق رُفعت إلى مجلس الأمن عام 2024 أثبتت تورطها في دعم مباشر لقوات الدعم السريع. وقد صنّفت الأمم المتحدة والولايات المتحدة الانتهاكات في دارفور بأنها إبادة جماعية، بينما واصلت شحنات الذهب السوداني التدفق إلى الأسواق الإماراتية في دبي، في مؤشر على تداخل المصالح الاقتصادية مع الصراع المسلح.
قضية دولية ومساءلة مرتقبة
في مارس 2025، أعلنت الحكومة السودانية رفع دعوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية بتهمة دعم الإبادة الجماعية والتدخل في الشأن الداخلي.
ورغم إنكار أبوظبي لهذه الاتهامات وادعائها عدم اختصاص المحكمة، يرى محللون أن هذه الخطوة تمثل سابقة قانونية في محاسبة الدول على تمويل الميليشيات العابرة للحدود.
المكاسب الخفية وراء الدماء
يعتقد مراقبون أن الدافع الحقيقي وراء انخراط الإمارات في الصراع السوداني يتمثل في رغبتها بالهيمنة على موانئ البحر الأحمر واحتكار تجارة الذهب في إفريقيا، فقد باتت أبوظبي تعتمد في سياستها الخارجية على ما يمكن تسميته بـ"نموذج الميليشيا"، وهو نموذج يستبدل التحالفات الدبلوماسية بالدعم العسكري للفاعلين غير الحكوميين، بغية بسط النفوذ خارج أراضيها دون تكلفة سياسية مباشرة.
تأثيرات الصراع على الأمن المصري
لا تنحصر تداعيات الأزمة في السودان داخلياً، بل تمتد لتشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري. فمصر، التي تتشارك مع السودان حدوداً تمتد لأكثر من 1200 كيلومتر، تجد نفسها أمام احتمال تسرب الفوضى المسلحة إلى الجنوب المصري، وظهور بؤر تهريب وتسلل تهدد استقرار وادي النيل.
ويرى خبراء أن تورط الإمارات في تأجيج الصراع السوداني يضع القاهرة في موقف دبلوماسي حرج، بين الحفاظ على تحالفاتها التقليدية من جهة، وصون أمنها المائي والحدودي من جهة أخرى و قد يدفع ذلك صانع القرار المصري إلى إعادة النظر في خريطة تحالفاته الإقليمية بما يضمن حماية حدوده واستقرار محيطه الحيوي في إفريقيا.
فما يجري في السودان اليوم لا يمكن وصفه بالحرب الأهلية فحسب، بل هو صراع مُدار من الخارج، تتقاطع فيه المصالح السياسية والاقتصادية، فحين تتحول المساعدات الإنسانية إلى وسيلة لتهريب السلاح، وتغدو الموارد الطبيعية ثمناً للنفوذ، يصبح النزاع السوداني مرآةً دامية لتبدّل معادلات القوة في الشرق الإفريقي — بتوقيع إماراتي واضح المعالم.
 

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum