محمد غزال: مخططات قديمة تُعاد بصيغ جديدة ... ومصر تتحرك بوعيٍ كامل لحماية مصالحها العليا
أكد محمد غزال، رئيس حزب مصر 2000 ورئيس ائتلاف الجبهة الوطنية الديمقراطية، أن ما تشهده المنطقة العربية في الوقت الراهن من اضطرابات وصراعات متشابكة ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد طبيعي لمخططات استعمارية قديمة أُعيد إنتاجها بأدوات وأسماء جديدة، تهدف في جوهرها إلى تفتيت الدول العربية، وإعادة رسم خرائط النفوذ والسيطرة على الثروات والممرات الحيوية.
وأوضح محمد غزال في تصريح لـه أن هذه المخططات ليست مجرد نظريات سياسية، بل وقائع تاريخية بدأت من اتفاقية سايكس – بيكو وزرع الكيان الإسرائيلي كذراع وظيفي للغرب، مرورًا بشعارات مثل “الشرق الأوسط الجديد” و“الفوضى الخلّاقة”، وصولًا إلى مشاريع حديثة تسعى إلى إعادة تدوير المنطقة في دوائر من الضعف والاحتراب الداخلي لضمان استمرار السيطرة الغربية عليها.
إعادة إنتاج "الربيع العربي" وصياغة النفوذ
وأشار إلى أن ما سُمّي بـ"الربيع العربي" استُخدم بمهارة لإعادة ضبط المشهد السياسي في المنطقة، فبينما بدا في ظاهره حراكًا شعبيًا نحو الحرية، كان في عمقه جزءًا من إعادة هندسة الشرق الأوسط بما يخدم مصالح قوى كبرى. كما أن الاتفاقيات الإبراهيمية وصفقة القرن جاءت لتُكرّس واقعًا سياسيًا جديدًا يُراد منه دمج إسرائيل اقتصاديًا وأمنيًا في نسيج المنطقة على حساب القضية الفلسطينية، وتقويض البعد القومي العربي.
وأضاف "غزال" أن المخططات الجارية حاليًا، والتي يُطلق عليها تجاوزًا "مخططات "ترامب"، ليست مبادرات أمريكية منفصلة، بل هي جزء من منظومة أوسع تشترك فيها قوى غربية وأوروبية – وعلى نحو انتهازي – بعض القوى الشرقية مثل روسيا والصين، وفق مبدأ “تبادل المصالح وتوزيع النفوذ”، مؤكدًا أن الهدف لم يتغير: تفكيك الدول الوطنية الكبرى والتحكم في مواردها وممراتها الاستراتيجية.
"حول الدول المستهدفة"
بيّن محمد غزال في تصريح لـه أن السودان واليمن وليبيا وسوريا ولبنان والصومال في مقدمة الدول التي تتعرض لمحاولات ممنهجة للتفتيت أو الإبقاء عليها في حالة هشاشة دائمة.
ففي السودان مثلًا، تتقاطع مصالح داخلية وإقليمية ودولية لإعادة تقسيم البلاد إلى كيانات منفصلة (دارفور – كردفان – الشرق)، فيما تسعى بعض القوى إلى دمج تلك الكيانات لاحقًا في ترتيبات سياسية إقليمية مرتبطة بالاتفاق الإبراهيمي.
كما حذر من أن الحرب السودانية الحالية ليست نزاعًا داخليًا فحسب، بل امتداد لصراع أوسع يُدار من خلف الستار لإعادة تشكيل حدود النفوذ في إفريقيا والبحر الأحمر.
وفي السياق ذاته، أشار إلى أن بعض التصريحات والمواقف الصادرة عن الفريق عبد الفتاح البرهان تؤكد انخراطه في مسارات تطبيعية، مقابل وعود غربية بالبقاء في السلطة، وهو ما يفسر – بحسب غزال – حالة التوتر مع مصر التي تعتبر السودان عمقًا استراتيجيًا لا يمكن المساس به.
"الموقف المصري"
وأكد رئيس حزب مصر 2000 محمد غزال، علي أن مصر تتحرك بوعي كامل وهدوء محسوب لحماية أمنها القومي ومصالحها العليا، مشيرًا إلى أن دوائر الأمن القومي المصري تمتد عبر حدود ثلاثة بالغة الحساسية (غزة – السودان – ليبيا).
وقال إن الدولة المصرية تتبع استراتيجية متكاملة ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية:
1. محور أمني – عسكري: تأمين الحدود ومنع أي اختراق أو تهديد مباشر.
2. محور اقتصادي – مائي: الدفاع عن حقوق مصر في مياه النيل وتأمين الممرات البحرية ومضيق باب المندب والبحر الأحمر.
3. محور دبلوماسي – تحالفي: تنويع التحالفات الإقليمية والدولية مع قوى كبرى مثل روسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبي لضمان استقلال القرار الوطني وعدم الارتهان لأي طرف.
وشدد على أن السياسة المصرية تقوم اليوم على مبدأ المصالح لا العواطف، وأن "القاهرة" تعمل وفق حسابات دقيقة توازن بين الأمن القومي والمصالح الاقتصادية دون التورط في صراعات عبثية.
"رسائل للرأي العام"
وجّه محمد غزال رسالة طمأنة للرأي العام المصري والعربي، مؤكدًا أن الدولة تدرك حجم التحديات وتتحرك بخطوات ثابتة ومدروسة، وأن ما يُطرح في وسائل الإعلام حول بعض الملفات الحساسة، مثل العلاقات مع دول الخليج أو الأجانب المقيمين في مصر، يحتاج إلى فهم أعمق لطبيعة إدارة الدولة لهذه القضايا.
وأوضح في سياق متصل أن الاستثمارات الخليجية مهمة لكنها ليست المصدر الأوحد أو الأهم، فالشراكات الاستراتيجية مع الغرب وشرق آسيا في مجالات التكنولوجيا والصناعة تمثل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وحماية الاقتصاد الوطني من التبعية.
وأضاف أن هناك جهودًا مستمرة لفتح ممرات جوية وبحرية جديدة مع سوريا، في إطار تنسيق إقليمي تدعمه أطراف خليجية وأوروبية.
"حول الشائعات الشعبية"
فنّد "غزال" الشائعات المتعلقة بملف المقيمين الأجانب، موضحًا أن الحديث عن “طرد” السوريين أو اليمنيين لا أساس له، لأن هذا الملف إنساني وسيادي معقد، وتتعامل معه الدولة وفق التزاماتها القانونية والإنسانية.
كما شدّد على أن بيع بعض الأصول أو الدخول في شراكات استثمارية أجنبية لا يعني التفريط في مقدرات الدولة، بل يأتي في إطار إعادة هيكلة الاقتصاد وتعظيم الموارد، بما يخدم الأمن القومي المصري.
وأشار إلى أن العلاقة مع دولة الإمارات تقوم على توازن المصالح والتفاهم في القضايا المشتركة، رغم وجود تباينات في بعض الملفات مثل السودان، وهو أمر طبيعي في العلاقات بين الدول.
وأختتم تصريحه مؤكدًا أنه لا داعي للهلع أو الانسياق وراء حملات التشكيك والضجيج الإلكتروني، فمصر تعمل وتتحرك وفق رؤية استراتيجية شاملة تضع أمنها القومي فوق أي اعتبار.
وقال:
السياسة ليست رد فعل شعبي أو مزاجًا مؤقتًا، بل حسابات دقيقة تحفظ للدولة مكانتها ومصالحها.
مصر تدرك حجم المؤامرات التي تُحاك ضد المنطقة، وتتحرك بوعيٍ وهدوءٍ لحماية نفسها وشعبها، دون أن تنجرّ إلى ردود فعل انفعالية أو شعارات فارغة.”
وأكد في ختام حديثه أن هذا التصريح يأتي في إطار قراءة تحليلية للواقع الراهن، وليس توجيهًا حكوميًا أو بيانًا رسميًا، وإنما رؤية سياسية وطنية تستهدف توضيح الصورة ووضع الرأي العام أمام حقائق الموقف الراهن.

















