18:10 | 23 يوليو 2019

المستأجر بين معاناة الواقع وإهمال السياسات الاقتصادية

3:18pm 04/08/25
صورة أرشيفية
ميرفت رضوان

في ظل تدهور قيمة الجنيه، وفي غياب الحلول الفعالة من قبل الحكومات المتعاقبة، يعاني المستأجرون في مصر من أوضاع قاسية أثرت على استقرارهم وأثقلت كاهلهم بمشكلات قانونية واقتصادية. مستأجرون استلموا شققًا على "الطوب الأحمر" ودفعوا ثمنًا باهظًا لإتمام البناء والتجهيزات، لتصبح حياتهم في النهاية ضحية لتغييرات غير عادلة في القوانين والاقتصاد.
من الطوب الأحمر إلى الاستقرار الأسري
بدأت رحلة العديد من المستأجرين منذ سنوات طويلة عندما استلموا شققًا غير مكتملة، خالية من الأبواب والشبابيك، ومعدة فقط للطوب الأحمر. هؤلاء المستأجرون قاموا بتكريس وقتهم وجهدهم في تجهيز هذه الشقق لتصبح صالحة للعيش، فأسسوا فيها أنظمة كهرباء وسباكة ونجارة، وضعوا الأرضيات وأجروا أعمال النقاشة، وتكفلوا بإدخال كافة المرافق والعدادات بأسمائهم.
وكان ذلك وفقًا للعقود التي أُبرمت في ظل قوانين كان هدفها ضمان استقرار الأسرة المصرية. فالمستأجر لم يكن يعتزم تأجير المكان لنفسه فقط، بل كان يسعى لتوفير سكن دائم ومستقر لأسرته، سواء في حياته أو بعد وفاته.
التضحية والإنكار من طرف الملاك
رغم الجهود الكبيرة التي بذلها المستأجرون في تجهيز عقاراتهم، إلا أنهم يجدون اليوم أنفسهم أمام تهديدات بالخروج من الشقق التي حولوها إلى منازل آمنة ومستقرة. بل وأكثر من ذلك، يجدون أنفسهم في مواجهة محاولات إنكار ما قدموه من استثمارات ضخمة، ويتعرضون لمطالبات غير عادلة من بعض الملاك الذين يحاولون التنصل من التزاماتهم تجاه المستأجرين.
المستأجر لم يرتكب جريمة. ولم يجبر المالك على التعاقد. بل تم التعاقد وفقًا للقوانين المعمول بها في تلك الفترة، والتي تم تعديلها بشكل غير عادل من قبل المشرع في وقت لاحق.
أزمة الإيجارات والتضخم في ظل الاقتصاد المنهار
الضرر الحقيقي الذي يعاني منه الملاك لا علاقة للمستأجر به. فسبب انخفاض قيمة الجنيه وتدهور الوضع الاقتصادي أدى إلى أن أصبح مبلغ الإيجار لا يُذكر مقارنة بقيمته الحقيقية. المشكلة هنا ليست في المستأجرين، بل في سياسة الدولة التي دمرت قيمة العملة وأثرت بشكل سلبي على قيمة الإيجارات.
لقد تدخلت المحكمة الدستورية مؤخرًا بحكمها الذي اعتبرت فيه أن ثبات القيمة الإيجارية يعد غير دستوري، وأكدت ضرورة تحقيق التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين. ورغم ذلك، قامت التشريعات التي تلت هذا الحكم بتغولٍ على حقوق المستأجرين، وزيادة الضغوط عليهم من خلال تعديل العلاقة الإيجارية لصالح المالك فقط.
القانون يطحن المستأجرين والملاك يعانون أيضًا
لولا التضخم الكبير في قيمة الجنيه وتدني قدرته الشرائية، لكان المستأجرون يواصلون دفع الإيجار بانتظام وكان الملاك راضين عن دخلهم. لكن ما يحدث اليوم هو نتيجة فشل السياسات الاقتصادية التي دمرت الحياة اليومية للمواطنين، وأصبح الملاك يعانون أيضًا من انهيار قيمة الإيجارات، بينما يظل المستأجرون ضحايا للظروف التي خلقها القانون الفاشل.
فيما يتعلق بعلاقة الملاك بالمستأجرين، فقد أدت التعديلات الأخيرة إلى تقليص مدة التعاقد من أجيال متعددة إلى جيل واحد فقط من أبناء المستأجر الأصلي. هذا التغيير الذي ألغى حق الامتداد المفتوح للعقود والذي كان يعتبر جزءًا من استقرار الأسرة، مما زاد من القلق الاجتماعي بين المستأجرين، وأدى إلى انعدام الأمان المعيشي.
من المسؤول؟
المستأجر اليوم ليس مسؤولًا عن الفشل الذي تعاني منه قيمة الجنيه. ولا يُعقل أن يدفع المستأجر ثمن فشل السياسات الاقتصادية. يواجه المستأجرون في مصر تحديًا مزدوجًا: الأول هو التأثير المباشر لارتفاع تكاليف المعيشة والزيادة غير المنطقية في القيم الإيجارية، والثاني هو القوانين التي لم تُراعِ الواقع المعيشي للمواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
المستأجر لم يرتكب جرمًا ولم يفرض نفسه على المالك. ما حدث هو تفاعل مع قوانين وواقع اقتصادي لم يكن له دخل فيه، وهو اليوم يدفع ثمن أزمة اقتصادية خلقها النظام.
ما يحتاجه المستأجرون اليوم هو العدالة والتوازن بين حقوقهم وحقوق الملاك في ظل التحديات الاقتصادية. يجب أن يتم تعديل القوانين بشكل يحقق توازنًا معقولًا بين مصلحة المالك والمستأجر، بما يضمن استقرار الأسرة المصرية ويكفل حقوق الطرفين دون أن يصبح أحدهما ضحية للآخر.
إن الحلول لا تكون في تحميل المستأجرين أوزار سياسات اقتصادية متعثره بل في البحث عن آليات قانونية وعملية تعيد التوازن لعلاقات الإيجار، وتحفظ الحقوق، وتخفف من الضغوط المعيشية التي يعاني منها المواطنون.
 

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum