الصراعات العالمية وتأثيرها علي الشرق الأوسط : نار الخارج تشتغل في الداخل
في عالم تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه المصالح، لم تعد الصراعات حكرًا على حدود الدول التي تندلع فيها. بل باتت ارتداداتها تصل إلى أبعد من ذلك، حاملةً معها أزمات سياسية واقتصادية وأمنية. ومن أكثر المناطق التي تدفع ثمن هذه الصراعات هي منطقة الشرق الأوسط، التي تُعد ساحةً حساسة تتأثر بسهولة بأي توتر عالمي، من أوكرانيا إلى الصين، ومن واشنطن إلى طهران
1. الشرق الأوسط... موقع جغرافي أم ساحة نفوذ؟
يتمتع الشرق الأوسط بموقع استراتيجي مهم، فهو جسر بين القارات، ويمتلك ثروات طبيعية هائلة، أبرزها النفط والغاز. هذه الخصائص جعلته محل أطماع القوى الكبرى عبر التاريخ، وفي العصر الحديث تحوّل إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية.
2. الحرب الروسية الأوكرانية: أزمة بعيدة... لكن الأثر قريب
رغم أن الحرب الروسية الأوكرانية تدور في قلب أوروبا، إلا أن انعكاساتها ضربت الشرق الأوسط بقوة:
• ارتفاع أسعار الطاقة والقمح، مما زاد من معدلات التضخم والفقر.
• اضطراب سلاسل الإمداد، خصوصًا للغذاء والوقود.
• استقطاب سياسي بين دول تساند روسيا وأخرى تصطف مع الغرب.
3. الصراع الأمريكي-الصيني: الشرق الأوسط على طاولة المنافسة
الصراع بين واشنطن وبكين ليس عسكريًا فقط، بل اقتصادي وتكنولوجي أيضًا. هذا الصراع يُلقي بظلاله على المنطقة في:
• سباق الاستثمارات، مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية مقابل النفوذ الغربي التقليدي.
• المنافسة على المنافذ البحرية والطرق التجارية في الخليج والبحر الأحمر.
4. إيران وإسرائيل: صراع دائم يهدد الاستقرار الإقليمي
التوتر بين إيران وإسرائيل يُعد من أخطر أشكال الصراعات المرتبطة بالقوى الكبرى، حيث:
• تستخدم إيران أذرعًا عسكرية في سوريا ولبنان واليمن، مما يوسع دائرة الاشتعال.
• ترد إسرائيل بهجمات وتهديدات، وتبقى المنطقة على حافة الانفجار.
• هذه التوترات تُدخل أطرافًا دولية كأمريكا وروسيا، مما يزيد تعقيد الوضع.
5. مصر بين مطرقة الأزمات العالمية وسندان التحديات المحلية
رغم أن مصر ليست طرفًا مباشرًا في أي من الصراعات العالمية، إلا أنها تتأثر بها بشكل عميق وغير مباشر، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الدقيقة التي تمر بها:
الأمن الغذائي في مرمى الخطر:
تعتمد مصر على استيراد نسبة كبيرة من القمح من روسيا وأوكرانيا، ومع اندلاع الحرب بينهما، ارتفعت الأسعار وتقلّصت الإمدادات، مما شكّل ضغطًا على الميزانية العامة وزاد من أعباء المواطن المصري.
ارتفاع التضخم وتراجع العملة:
الصراعات الجيوسياسية، بجانب رفع الفائدة العالمية، أثّرت على الاستثمار الأجنبي في مصر، وأدت إلى سحب رؤوس الأموال الساخنة، مما تسبب في تراجع قيمة الجنيه المصري وزيادة أسعار السلع.
الضغط على قناة السويس:
التوتر في البحر الأحمر، سواء بسبب صراع اليمن أو المنافسة العالمية على طرق التجارة، قد يُهدد عوائد قناة السويس، وهي مصدر رئيسي للنقد الأجنبي لمصر.
معادلات السياسة الخارجية:
تجد مصر نفسها في موقف دقيق بين الحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع الغرب، وفي الوقت نفسه، تنمية تعاونها مع الصين وروسيا، وهو ما يتطلب توازنًا دبلوماسيًا حذرًا للغاية.
… وإذا كانت الصراعات العالمية تُشعل التوتر في المنطقة، فإن دولًا كبرى في المنطقة مثل مصر تحتاج إلى إعادة ترتيب أوراقها بحكمة، وتحصين اقتصادها ومجتمعها من التأثر بالموجات القادمة من الخارج.
فالرهان الحقيقي لم يعد فقط على السلام، بل على القدرة على الصمود وسط عالم مضطرب.



















