فريد عبد الوارث يكتب: ممالك العنكبوت الخليجية .. حين سقط الدرع وبقي الحصن المصري

في قلب الصحراء حيث ارتفعت ناطحات السحاب فوق رمال لا ذاكرة لها تهاوت جدران المواقف، و تعرّت السياسات!! هكذا يمكن تلخيص المشهد السياسي في منطقة الخليج العربي خلال العقدين الأخيرين، حيث تحوّلت "ممالك العنكبوت" – كما يسميها بعض المراقبين – إلى منصات نفوذ غربي، بدلًا من أن تكون سروجًا لفرسان العروبة.
الاستقواء بالقواعد الأمريكية و الأوروبية لحماية العروش و تأجير السيادة بدأ منذ التسعينيات و بشكل أوسع بعد غزو العراق للكويت حيث بدأت دول الخليج في بناء تحالفات أمنية غير متكافئة مع الغرب، و بالأخص الولايات المتحدة، حتى تحوّلت القواعد العسكرية الأمريكية إلى مظلة فوق عروش مترنحة، ليس لحمايتها من عدو خارجي، بل لضمان استمرار أنظمة عاجزة عن تحقيق توازن ذاتي.
القواعد العسكرية في قطر و البحرين والإمارات والسعودية، لم تعد فقط غرف عمليات عسكرية، بل أصبحت غرف سيطرة سياسية يُدار منها القرار الخليجي الإقليمي و غالبًا بما يتناقض مع المصالح العربية الكبرى.
الخروج من عباءة القاهرة: حين خُذلت مصر
كانت مصر لعقود رمانة الميزان العربي و حين حاولت استعادة موقعها بعد ثورة يناير و ما تبعها من إعادة تشكل الدولة، وجدت نفسها محاطة بأنظمة خليجية تفضل تحالفها مع واشنطن و تل أبيب على الاصطفاف خلف قاهرة جديدة تتجهز للعودة.
التخلي عن مصر لم يكن مجرد برود دبلوماسي بل مشروعًا استراتيجيًا لخلق محور جديد يقطع شريان القيادة التاريخية عن باقي الجسد العربي.
نار الخليج في بيت العرب: تدمير سوريا، ليبيا، واليمن
تحت لافتة "الربيع العربي" مولت بعض هذه الممالك حروبًا بالوكالة دعمت فيها الفصائل المسلحة و أطلقت العنان للتمويل الإعلامي و السياسي لتقسيم دول كانت تشكّل عماد النظام العربي.
سوريا دُمرت بأموال الخليج و سكوته، تحت وهم إسقاط النظام و خلق "ديمقراطية سنّية"، فكانت النتيجة دولة مدمّرة و إيران أكثر تمددًا.
ليبيا تحوّلت إلى ساحة نفوذ مفتوحة رعتها قطر و تركيا أولًا، ثم الإمارات لاحقًا، و كل ذلك على حساب وحدة شعبها.
اليمن، أفقر بلاد العرب مزّقته حرب عبثية تقودها السعودية و الإمارات تحت ذريعة مواجهة الحوثيين، بينما الأهداف الحقيقية تتعلّق بالموانئ والنفوذ الجغرافي.
الضربة الإسرائيلية في قطر .. تحالفات العار تخرج للعلن
في مشهد غير مسبوق تعرضت قطر – التي طالما لعبت دور الحليف السري لإسرائيل – لضربة عسكرية إسرائيلية في 2025، تلك الضربة و إن حاولت الدوحة التقليل من شأنها كشفت هشاشة اللعبة الخليجية مع "العدو – الصديق".
ففي لعبة الكراسي الموسيقية بين تل أبيب و العواصم الخليجية لم يعد هناك مكان للفلسطينيين، ولا حتى لكلمة "العدو" أصبحت إسرائيل شريكًا أمنيًاو اقتصاديًا بل و ربما... وصيًا غير معلن.
مصر: الحصن الأخير... و المصير المشترك
وسط هذا الانهيار الأخلاقي و السياسي، تقف مصر كحصن أخير للعرب، مصر التي تعاني اقتصادياً حين تخلى عنها محدثي النعمة لكنها – برغم كل شيء – لا زالت الدولة العربية الوحيدة القادرة على قيادة مشروع إنقاذ حقيقي، إذا ما توافر له الدعم و الإرادة العربية.
الجيش المصري الوطني، مؤسساتها العريقة، موقعها الجغرافي، و ثقلها الثقافي و التاريخي ... كل ذلك يجعل منها الخيار الأخير و الوحيد لبناء سدّ عربي في وجه الطوفان القادم.
فهل نصحو قبل الغرق؟
ممالك العنكبوت ليست شتيمة، بل توصيف لحقيقة باتت مكشوفة شبكات من المصالح و الارتهان و الاستقواء بالغريب، تظن أنها منيعة، لكن أول عاصفة تهزّها.
الخيار اليوم ليس بين مصر و غيرها، بل بين بقاء ما تبقى من العالم العربي، أو التلاشي خلف ابتسامات أمريكية و وعود إسرائيلية كاذبة.
الاصطفاف خلف مصر ليس اصطفافًا خلف شخص أو نظام، بل خلف فكرة الدولة، الكرامة، و السيادة.
فهل يستفيق العرب... أم يذوبون في شباك العنكبوت؟