إسرائيل تقصف الدوحة... رسالة نار إلى الخليج وإعادة هيكلة الأمن الإقليمي

في تطوّر صادم هزّ المنطقة، شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارة جوية على الدوحة أدّت إلى مقتل ستة من قيادات حركة حماس. هذا الهجوم لم يكن مجرد عملية عسكرية محدودة، بل حمل أبعادًا استراتيجية ورسائل سياسية عميقة موجّهة إلى قطر ودول الخليج والعالم بأسره.
ضربة تتجاوز حدود قطر
بحسب ديفيد هيرست، مؤسس ورئيس تحرير موقع *ميدل إيست آي*، فإن ما جرى يثبت أنّ "الضمانات الأمنية الأمريكية لدول الخليج بلا قيمة". فحتى قطر، التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، لم تسلم من القصف. المعنى المباشر لهذه الضربة أن لا حماية حقيقية تحت المظلة الأمريكية، وأنّ إسرائيل قادرة على التحرك بحرية فوق أجواء المنطقة وضرب أي هدف تعتبره تهديدًا.
الخليج بين صدمة الواقع وإعادة الحسابات
صحيفة *الغارديان* البريطانية وصفت الهجوم بأنه "نقطة تحوّل في معادلة الأمن الخليجي". فبعد هذه الضربة، بدأت العواصم الخليجية تُعيد النظر في مدى اعتمادها على الولايات المتحدة كضامن وحيد للأمن. بل إنّ دوائر القرار في بعض هذه الدول تدرس بجدية الانفتاح على قوى أخرى مثل الصين وتركيا وروسيا لبناء توازن جديد يحمي استقرارها وسيادتها.
الهجوم لم يكن مجرد رسالة عسكرية، بل إعلان ضمني أنّ إسرائيل تتحوّل من حليف ضمني للبعض إلى التهديد الأمني الأكبر لدول الخليج، بعدما أثبتت أنّها لا تعترف بحدود سيادة أو قواعد دبلوماسية.
قطر: استهداف للدور السياسي لا للجغرافيا فقط
الدوحة لم تكن مجرد مسرح عابر للغارات، بل هدف مقصود. فمشاركة قطر في جهود الوساطة بين حماس وإسرائيل، ومساعيها لوقف العدوان على غزة، جعلتها في مرمى نيران تل أبيب. هنا، لا يمكن فصل الهجوم عن كونه ضربتين في آن واحد: الأولى ضد قيادة المقاومة الفلسطينية، والثانية ضد سيادة قطر ودورها الإقليمي.
بهذا المعنى، تجاوزت إسرائيل الأعراف الدولية، ووجّهت إهانة مباشرة للدبلوماسية الخليجية، مؤكدة أنها لا تأخذ بعين الاعتبار أي وساطة أو مبادرة سياسية ما دامت لا تخدم أهدافها العسكرية.
واشنطن بين التواطؤ والصمت
الكثير من المحللين يرون أنّ هذه الغارة ما كانت لتحدث دون ضوء أخضر أمريكي. فواشنطن التي وعدت مرارًا بحماية حلفائها الخليجيين، بدت عاجزة – أو غير راغبة – عن منع هذا الانتهاك الخطير. تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي قال فيها إنه "مستعد لبيع العرب لإسرائيل" تعود اليوم ككابوس واقعي يعكس حقيقة العلاقات غير المتوازنة.
ردود عربية باهتة
على الرغم من جسامة الحدث، لم تصل ردود الفعل الخليجية إلى حدّ القطيعة الدبلوماسية أو اتخاذ إجراءات ردعية قوية. اقتصرت المواقف على بيانات تنديد وتحذيرات لفظية، وهو ما يعكس هشاشة الموقف العربي وضعف قدرته على مواجهة التحديات الاستراتيجية. هذا التباين بين حجم الاعتداء ورد الفعل الرسمي يثير تساؤلات حول مدى جدّية الدول الخليجية في حماية أمنها القومي.
ماذا بعد الدوحة؟
الهجوم على الدوحة قد يكون بداية لمرحلة جديدة من التوترات الإقليمية، حيث تسعى إسرائيل إلى فرض معادلة أمنية جديدة عنوانها التفوق المطلق وغياب الخطوط الحمراء. في المقابل، تجد دول الخليج نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستمرار في الاعتماد على واشنطن، مع إدراك أن هذه الحماية ليست مضمونة، أو البحث عن تحالفات بديلة تضع حدًا للتفرّد الإسرائيلي في سماء المنطقة.
ما حدث في الدوحة لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل زلزال سياسي وأمني يفتح الباب أمام تحولات كبرى في الخليج. إسرائيل أرادت أن تقول للجميع: "نحن فوق القانون والسيادة، ولا ضمانات تحمِيكم". هذه الرسالة القاسية قد تدفع المنطقة إلى إعادة رسم خرائطها الأمنية والتحالفية، وقد تكون الشرارة التي تغيّر ملامح التوازنات الاستراتيجية لعقود مقبلة.