فريد عبد الوارث يكتب: "فيديو الهزّة السياسية": المال الانتخابي وصرخة العودة إلى القواعد الشعبية

في مشهد لم يكن يتوقعه أحد أشعلت سيدة منتمية إلى أحد الأحزاب السياسية شرارة جدل واسع، بعد بثّها مقطع فيديو تحدثت فيه صراحة عن دفع أموال لاختيار مرشحين بعينهم لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة!! لم يكن الفيديو مجرد رأي شخصي عابر بل بدا كصرخة فاضحة لممارسات تكرّست في المشهد السياسي وأصبحت جزءًا من "اللا معلن" الذي يعرفه الجميع ويتفادون الحديث عنه واضعين رؤسهم في الرمال مثل النعام!!
انفجار على مواقع التواصل وتأثير مدوٍ على الرأي العام
بمجرد انتشار الفيديو اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من الغضب والسخرية، وأحيانًا الذهول حيث اعتبر كثيرون أن ما قيل فيه ليس مفاجئًا، بل صادمًا في توقيته و وضوحه، فالشبهات حول استخدام المال السياسي ليست جديدة، لكنها المرة الأولى التي يتم فيها التحدث عنها من داخل أحد الأحزاب، و بكل هذه الجرأة.
التعليقات على الفيديو عبّرت عن فقدان ثقة واسع في النخبة السياسية، وزادت من الإحساس العام بأن الانتخابات المقبلة قد لا تكون تعبيرًا حقيقيًا عن إرادة الناس، بل مجرد "مزاد علني" يفوز فيه من يملك أكثر.
ضربة قوية للأحزاب السياسية
الأحزاب المعنية لم تنكر فقط، بل سارعت إلى إصدار بيانات نفي و تهديد بملاحقة السيدة قضائيًا، لكنها خطوة لم تُقنع الرأي العام، الذي بات يرى في هذه الأحزاب تجسيدًا لمشكلة أعمق تتعلق بغياب الشفافية، وافتقاد المعايير الواضحة لاختيار المرشحين.
الفيديو فتح النار على تركيبة الأحزاب الحالية، وأعاد طرح سؤال جوهري .. من يختار المرشحين؟ هل هو القرب من القيادات أم القدرة على الإنفاق، أم الشعبية و القبول الحقيقي لدى الناس؟
دعوة للعودة إلى القواعد الشعبية
المشهد السياسي بحاجة إلى وقفة، فالمرشح البرلماني ليس مجرد اسم على ورقة انتخابية، بل ممثل حقيقي عن المواطنين لذلك، فإن العودة إلى القواعد الشعبية – أي إلى الناس أنفسهم – ضرورة لا تحتمل التأجيل، يجب أن يُمنح المواطنون دورًا أكبر في اختيار من يمثلهم، بعيدًا عن صفقات الغرف المغلقة أو المعادلات المالية التي تهين فكرة الديمقراطية من أساسها.
دور الدولة في تصحيح المسار
و هنا يأتي الدور الأهم للدولة فليس كافيًا أن تكتفي الأجهزة الرقابية بالمراقبة الصامتة، بل يجب أن تكون هناك آليات واضحة وصارمة لمراقبة الإنفاق الانتخابي، و معايير مُعلنة لقياس نزاهة الأحزاب والمرشحين، بل و ربما تدخّل تشريعي يُجبر الأحزاب على إجراء انتخابات داخلية شفافة قبل الترشح البرلماني.
كما ينبغي تعزيز دور مختلف الهيئات الإدارية المستقلة في مراقبة العملية الانتخابية منذ لحظة الترشح و حتى إعلان النتائج، لمنع المال السياسي من شراء المستقبل.
الخلاصة: رسالة الفيديو أبعد من شخص.. إنها جرس إنذار لنظام الأحزاب بأكمله
الفيديو الذي أثار الضجة لا يجب النظر إليه باعتباره خطأ فرديًا، بل رسالة قاسية تكشف ما تحت السطح وإذا لم تتحرك الأحزاب و الدولة لتصحيح المسار، فإن البرلمان القادم قد يصبح – في نظر المواطنين – مجرّد انعكاس للمال لا للكفاءة، وللصفقات لا للمبادئ.
وهنا، يصبح تغيير معايير الاختيار ليس فقط ضرورة سياسية، بل مطلبًا شعبيًا ملحًّا... قبل فوات الأوان.