18:10 | 23 يوليو 2019

حين يسكن الصمت بين الضلوع

3:56pm 06/11/25
صورة أرشيفية
نشأت البسيوني

ليس كل من صمت فقد عجز عن الكلام فبعض الصمت صلاة وجبر للروح المرهقة
هناك لحظة لا يقال عنها إنها هدوء بل إنها انطفاء بصوت هادئ
لحظة يدرك فيها الإنسان أن الكلام لم يعد يجدي وأن الشرح لا يغير شيئا فيلوذ بالصمت لا ضعفا بل احتراما لما تبقى من كرامته المنهكة
ذلك الصمت الذي يشتعل في الداخل كجمر خافت لا تراه العيون لكنه يترك أثره على الملامح على النظرات على القلب الذي لم يعد كما كان
حين يسكن الصمت بين الضلوع تتغير معاني الأشياء
يصبح الضوء خافتا والموسيقى بعيدة والذكريات ثقيلة كأنها أحجار تسقطها الذاكرة على صدر الأيام
تبدأ الروح رحلة البحث عن ذاتها بين أكوام الوجع القديم وتتعلم أن لا أحد يسمع النبض كما تسمعه هي وأن أكثر الحكايات صدقا تلك التي لم ترو بعد
في صمتك تعرف أنك نجوت من زحام لا يشبهك ومن وجوه كانت تبتسم بقدر ما تخفي من خذلان
تعرف أن الهدوء الذي يسكنك ليس سلاما تاما بل هو تربية قاسية بعد عاصفة مرت على قلبك وخلفتك ناضجا بما يكفي لتصمت عن أشياء كثيرة
فما عادت الحاجة إلى البوح كما كانت ولا الرغبة في التفسير كما مضت لأن النضج علمك أن بعض الأمور لا تحتاج سوى أن تترك وشأنها
حين يسكن الصمت بين الضلوع يصبح الإنسان أكثر صدقا مع نفسه
لا يكره لا ينتقم لا يجادل فقط يترك ما لا يستحق البقاء
يتعلم أن الرد على القسوة بالرحيل وعلى الخيانة بالابتسامة وعلى الألم بالسكوت
فالصمت في حضرة الجرح كرامة وفي وجه الظلم عبادة وفي نهاية الخيبات ولادة جديدة لإنسان أكثر وعيا وأقل اندفاعا
يا لهذا الصمت كم من الأسرار يحمل
تظنه خاليا وهو مليء بكل ما لم يقال
فيه الوداع الذي لم ينطق والخذلان الذي لم يعاتب والدمع الذي لم يسقط
صمتك حكاية مكتوبة بحبر من الصبر تقرأها وحدك في لياليك الطويلة وتفهمها دون أن تشرحها لأحد
لأنك ببساطة لم تعد تبحث عن من يفهمك بل عن سلام يسكنك
حين يسكن الصمت بين الضلوع تدرك أنك لم تعد كما كنت
كنت تتحدث لتثبت أنك بخير أما الآن فأنت تصمت لأنك صرت بخير فعلا
صرت تؤمن أن النجاة لا تكون دائما في البقاء بل أحيانا في الانسحاب بهدوء من كل ما يرهق روحك دون إعلان دون ضجيج
فاصمت يا صديقي حين يؤلمك الكلام
واحتضن هدوءك كما لو كان وطنا
لأن الصمت وإن أوجع يبقى لغة الناضجين الذين أدركوا أن بعض الحروب تكسب فقط حين لا تخاض
وأن أجمل انتصار هو أن تبتسم وأنت صامت لأنك تجاوزت ما كان يوما يكسرك
 

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum