حين تتكلم الأرواح في صمت الليل

في الليل لا يتكلم الناس بل الأرواح هناك حديث لا يسمعه أحد لكنه يهز القلب كأنه زلزال من الحنين

حين تتكلم الأرواح في صمت الليل

تفتح أبواب الذاكرة على مصراعيها

ويعود كل ما ظننته مضى يعود على هيئة طيف أو صوت خافت من زمن بعيد

تجلس في وحدتك والليل ساكن كقلب يتهيأ للبكاء

فتسمع نبضك كأنه حوار بينك وبين نفسك التي نسيتها منذ زمن

في الليل لا تحتاج إلى كلمات لتفهم

ولا إلى أحد ليسمعك

يكفي أن تغمض عينيك

فتبدأ الأرواح في الحديث

روحك تعاتبك على ما أرهقتها به من صبر ومجاملة

وروح من أحببتهم تمر بك لا لتؤذيك بل لتذكرك أنهم كانوا هنا يوما ثم مضوا

حين تتكلم الأرواح في صمت الليل

تبدو السماء قريبة

كأن بينك وبين الله خطوة دعاء واحدة

وكأن العالم كله يتوقف ليستمع إلى وجعك بصمت مقدس

تمسك قلبك بيدك

وتسأله هل ما زلت بخير بعد كل ما مضى

فيجيبك بصمته نجوت لكن بثمن لا يرى

في الليل يخرج كل ما كبته النهار

تتحدث الأرواح عن خيبات لم تقل

عن حب لم يكتب له البقاء

عن وجوه ما زالت تمر في خيالك رغم أنك أقنعت نفسك بنسيانها

يتكلم الحنين لغة لا تفهم إلا حين يهدأ كل شيء

ويصبح الصمت أصدق من كل كلام مزيف

تتكلم الأرواح عن صدقها الموجع

عن وعد انكسر دون أن يقال

عن أشخاص مروا كنسمة ثم تركوا إعصارا خلفهم

وتتحدث أيضا عن أولئك الذين ظلوا رغم كل شيء

عن قلوب بقيت رغم التعب

وعن حب لم يمت بل اختبأ في زوايا الدعاء

حين تتكلم الأرواح في صمت الليل

يصبح الحزن أكثر رقة

كأنه لا يؤلمك بل يدللك

كأنه يقول لك تعال ضع رأسك على كتفي وابك قليلا فالغد يحتاجك قويا

وتبكي لا ضعفا بل لأن الصدق أحيانا يوجع أكثر من الخداع

وفي تلك اللحظة التي يكتمل فيها الصمت

تشعر أن الله يسمعك دون أن تتكلم

أن الملائكة تكتب ما يجول في صدرك دون أن ترفع يديك

تشعر أن روحك تتخفف من ثقل حملته طويلا

وأنك لست وحدك في هذا الليل

بل هناك أرواح كثيرة تبكي معك كل على طريقته وكل على وجعه

حين تتكلم الأرواح في صمت الليل

تفهم أن بعض العلاقات كانت دروسا

وبعض الوداع كان رحمة

وبعض الأقدار لم تكن إلا طريقا نحو نفسك التي كنت تجهلها

وتفهم أيضا أن لا أحد ينجو من الألم

لكن البعض فقط يتعلم أن يكتب منه شعرا

أن يجعل منه نورا

أن يحول الوجع إلى موسيقى تعزف على وتر الصبر

وفي نهاية الليل حين يبدأ الفجر في التنفس

تصمت الأرواح شيئا فشيئا

تغلق الأبواب وتختبئ الأصوات

لكن شيئا منها يبقى فيك أثر حديث لم يقل لأحد

تنهض وقد خف قلبك كأن الليل كان علاجا خفيا

وكأن الأرواح لم تتكلم لتوجعك بل لتعيدك إلى نفسك التي غابت

فلا تخف من ليلك يا صديقي

ولا تكره صمته الطويل

ففي كل ليل تتكلم فيه الأرواح

يشفى جزء منك بصمت

ويولد فيك ضوء صغير

يقول لك همسا أنت بخير فقط أكمل