فريد عبد الوارث يكتب: مدرسة دينا للرقص .. حين يصبح "الهزّ" مشروعًا مجتمعياً!

بينما تجاهد دول العالم لاحتلال مكان في سباق الذكاء الاصطناعي، و تخترق جبهات المريخ بأقمار صناعية تُدار من مكاتب طلبة في سن المراهقة نعيش نعيش نحن ملحمة وطنية من نوع آخر... افتتاح مدرسة "علمية جدًا" لتدريس أصول "الهز" و"الميلان" بقيادة الخبيرة الاستراتيجية في علوم الأرداف الراقصة دينا!
نعم، لا تندهش يا صديقي فقد دخلنا رسميًا عصر "تعليم الرقص باحتراف" وكأننا نعاني من نقص حاد في المتمايلين والمتمايلات! أصبح الرقص الشرقي مسألة أكاديمية تستحق الاستثمار و الدعم!! بينما الباحثون في معامل الجامعات يشترون الكحول و المحاليل من جيوبهم، وتُمنحهم شهادات "اللا جدوى" بدلًا من التقدير!!!!
هل يُعقل أن تتصدر هذه المهزلة الترندات و تغرق بها مواقع التواصل الاجتماعي في وقت تواجه فيه مصر تحديات وجودية على حدودها، ومخاطر مائية تهدد شريان الحياة (نهر النيل لمن نسي) و منافسة علمية عالمية تجعل طلاب الهند و الصين يبرمجون وهم في الحضانة، بينما طلابنا يتساءلون: هو الكورس بتاع دينا فيه شهادة معتمدة لمهنة الرقص؟
ما هذا الانفصال الجماعي عن الواقع؟ كيف تحولت طموحاتنا من "صاروخ مصري في الفضاء" إلى "لفة محترمة على الدبكة البلدي"؟ أي مستقبل نرسمه حين يصبح العُري مشروعًا استثماريًا، والهيافة نمط حياة، والتفاهة مهنة لها رواد ومؤثرون؟!
يا سادة ... الأمن القومي لا يحميه الرقص بل يحميه العقل و العلم و الانضباط ونحن في زمن لا يرحم، تُدار فيه الحروب بالأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار، بينما نُدار نحن من قبل تريندات على TikTok و"لايكات" على فيديوهات عنوانها: دينا تعلمك كيف تهزي بثقة!.
هل من حملة قومية بعنوان: "كفاية هيافة"؟
نعم للثقافة لا للانحدار، نعم للفن الراقي لا للابتذال الممنهج، نعم لتعليم البرمجة و الروبوتات، لا لتعليم الحركات الإغرائية في فصل دراسي منظم و معقم!
إن كنا نحترق غيظًا من الجهل والتخلف فلنبدأ بإطفاء نيران السطحية التي التهمت عقولنا.. نريد جيلاً يعرف الفرق بين "دينا" و"دين"، بين "المدرسة" و "المسخرة"، بين "الطموح" و"الطقطقة".
كفاكم رقصًا على جثة الوعي
عندما تتعاظم التحديات على حدود الوطن وتشتد المعارك على جبهات الاقتصاد و العلم و الأمن القومي، يصبح الواجب الحقيقي لكل مصري أن يراجع أولويات و يساهم – كلٌ في مجاله – في دعم هذا البلد العظيم، فمصر لا تحتاج مزيدًا من الضجيج و الترفيه الزائف، بل تحتاج عقولًا تفكر وسواعد تعمل وقلوبًا مخلصة تعرف معنى الانتماء، و دعم الوطن لا يكون برفع الشعارات الفارغة أو ملاحقة التريندات بل يكون بالعلم، والانضباط والإنتاج و محاربة التفاهة أينما وُجدت، فهذا الوطن يحتاج أبناءه في ساحة الوعي قبل أي ساحة أخرى... فإما أن ننهض جميعًا، أو نسقط فرادى تحت وطأة الاستهلاك و الهيافة.